کد مطلب:142637 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:314

فصل
ثم نقول: بل نحن نعلم و نجزم بأنه لیس رأس الحسین، و لا كان ذلك المشهد العسقلانی مشهدا للحسین، من وجوه متعددة.

منها: أنه لو كان رأس الحسین هناك لم یتأخر كشفه و اظهاره الی ما بعد مقتل الحسین بأكثر من أربعمائة سنة، و دولة بنی أمیة انقرضت قبل ظهور ذلك بأكثر من ثلاثمائة و بضع و خمسین سنة. و قد جاءت خلافة بنی العباس و ظهر فی أثنائها من المشاهد بالعراق و غیر العراق ما كان كثیر منها كذبا. و كانوا عند مقتل الحسین بكربلاء قد بنوا هنالك مشهدا. و كان ینتابه أمراء عظماء. حتی أنكر ذلك علیهم الأئمة، و حتی ان المتوكل تقدم فیه بأشیاء، یقال: انه بالغ فی انكار ذلك، و زاد علی الواجب.

دع خلافة بنی العباس فی أوائلها، و فی حال استقامتها، فانهم حینئذ لم یكونوا یعظمون أبدا المشاهد، سواء كانت صدقا أو كذبا، كما حدث فیما بعد. لأن الاسلام كان حینئذ یغد فی قوته و عنفوانه. و لم یكن علی عهد الصحابة و التابعین و تابعیهم فی شی ء فی بلاد الاسلام - لا الحجاز، و لا الیمن و لا الشام، و لا العراق، و لا مصر، و لا خراسان، و لا المغرب - مشهد، لا علی قبر نبی، و لا صاحب، و لا أحد من أهل البیت، و لا صالح أصلا. بل عامة المشاهد محدثة بعد ذلك.


و كان ظهورها و انتشارها حین ضعفت خلافة بنی العباس، و تفرقت الأمة و كثرت فیهم الزنادقة المنتسبون الی الاسلام. و علت فیهم كلمة أهل البدع. و ذلك فی دولة المقتدر فی أواخر المائة الثالثة، فانه اذ ذاك ظهرت القرامطة العبیدیة القداحیة [1] بأرض الغرب. ثم جاءوا بعد ذلك الی أرض مصر.

و قریبا من ذلك: یقال انه حدثت المكوس [2] فی الاسلام.

و قریبا من ذلك: ظهر بنو بویه الأعاجم: و كان فی كثیر منهم زندقة و بدع قویة. و فی دولتهم قوی بنوعبید القداح بأرض مصر، و فی دولتهم أظهر المشهد المنسوب الی علی رضی الله عنه بناحیة النجف، و الا فقیل ذلك لم یكن أحد یقول: ان قبر علی هناك، و انما دفن علی رضی الله عنه بقصر الامارة بالكوفة، و انما ذكروا أنه حكی عن الرشید. أنه جاء الی بقعة هناك، و جعل یعتذر الی المدفون فیها، فقالوا: انه علی، و انه اعتذر الیه مما فعل بولده، فقالوا: هذا هو قبر علی، و قد قال قوم: انه قبر المغیرة بن شعبة، و الكلام علیه مبسوط فی غیر هذا الموضع.

فاذا كان بنو بویه و بنو عبید - مع ما كان فی الطائفین من الغلو فی التشیع. حتی انهم كانوا یظهرون فی دولتهم ببغداد یوم عاشوراء من شعار الرافضة ما لم یظهر مثله، مثل تعلیق المسوح علی الأبواب، و اخراج النوائح بالأسواق، و كان الأمر یفضی الی قتال تعجز الملوك عن دفعه. و بسبب ذلك خرج الخرقی صاحب المختصر فی الفقه من بغداد، لما ظهر بها سب السلف. و بلغ من أمر القرامطة الذین كانوا بالمشرق [3] فی تلك الأوقات: أنهم أخذوا الحجر الأسود، و بقی معهم مدة، و أنهم قتلوا الحجاج و ألقوهم ببئر زمزم.


فاذا كان مع هذا لم یظهر حتی مشهد للحسین بعسقلان، مع العلم بأنه لو كان رأسه بعسقلان لكان المتقدمون أعلم بذلك من المتأخرین، فاذا كان مع توفر الهمم و الدواعی و التمكین و القدرة لم یظهر ذلك، علم أنه باطل مكذوب مثل من یدعی أنه شریف علوی: و قد علم أنه لم یدع هذا أحد من أجداده، مع حرصهم علی ذلك لو كان صحیحا، فانه بهذا یعلم كذب هذا المعی، و بمثل ذلك علمنا كذب من یدعی النص علی علی، أو غیر ذلك من الأمور التی تتوفر الهمم و الدواعی علی نقلها و لم ینقل.

الوجه الثانی أن الذین جمعوا أخبار الحسین و مقتله - مثل أبی بكر بن أبی الدنیا، و أبی القاسم البغوی و غیرهما - لم یذكر أحد منهم أن الرأس حمل الی عسقلان، و لا الی القاهرة.

و قد ذكر نحو ذلك أبوالخطاب بن دحیة فی كتابه الملقب بالعلم المشهور فی فضائل الأیام و الشهور،! ذكر أن الذین صنفوا فی مقتل الحسین أجمعوا علی أن الرأس لم یغترب [4] ، و ذكر هذا بعد أن ذكر أن المشهد الذی بالقاهرة كذب مختلق: و أنه لا أصل له، و بسط القول فی ذلك، كما ذكر فی یوم عاشوراء ما یتعلق بذلك.

الوجه الثالث أن الذی ذكره من یعتمد علیه من العلماء و المؤرخین أن الرأس حمل الی المدینة [5] و دفن عند أخیه.


و من المعلوم: أن الزبیر بن بكار، صاحب كتاب الأنساب، و محمد ابن سعد كاتب الواقدی، صاحب الطبقات، و نحوهما من المعروف بالعلم و الثقة و الاطلاع: أعلم بهذا الباب، و أصدق فیما ینقلو به [6] من المجاهیل و الكذابین، و بعض أهل التواریخ الذین لا یوثق بعلمهم و لا أصدقهم، بل قد یكون الرجل صادقا، ولكن لا خبرة له بالأسانید. حتی یمیز بین المقبول و المردود، أو یكون سی ء الحفظ أو متهما بالكذب، أو بالتزید فی الروایة، كحال كثیر من الاخبارین و المؤرخین، و لاسیما اذا كان مثل أبی مخنف لوط بن یحیی [7] و أمثاله.

و معلوم أن الواقدی نفسه خیر عند الناس من مثل هشام بن الكلبی و أبیه محمد بن السائب و أمثالها، و قد علم كلام الناس فی الواقدی، فان ما یذكره هو و أمثاله یعتضد به، و یستأنس به. و أما الاعتماد علیه بمجرده فی العلم: فهذا لا یصلح.

فاذا كان المعتمد علیهم یذكرون أنه دفن بالمدینة، و قد ذكر غیرهم: أنه اما أنه عاد الی البدن، و اما أنه بحلب، أو بدمشق، أو نحو ذلك من الأقوال التی لا أصل لها، و لم یذكر من یعتمد علیه أنه بعسقلان - علم أن ذلك باطل، اذ یمتنع أن یكون أهل العلم و الصدق: علی الباطل. و أهل الجهل و الكذب: علی الحق فی الأمور النقلیة، التی تؤخذ عن أهل العلم و الصدق،


لا عن أهل الجهل و الكذب.

الوجه الرابع الذی ثبت فی صحیح البخاری «أن الرأس حمل الی قدام عبیدالله بن زیاد، و جعل ینكت بالقضیب علی ثنایاه بحضرة أنس بن مالك» [8] و فی المسند «أن ذلك كان بحضرة أبی برزة الأسلمی» [9] ولكن بعض الناس روی باسناد منقطع «أن هذا النكت كان بحضرة یزید بن معاویة» و هذا باطل. فان أبابرزة، و أنس بن مالك، كانا بالعراق لم یكونا بالشام، و یزید بن معاویة كان بالشام، لم یكن بالعراق حین مقتل الحسین، فمن نقل أنه نكث بالقضیب بحضرة هذین قدامه فهو كاذب قطعا، كذبا معلوما بالنقل المتواتر.

و معلوم بالنقل المتواتر: أن عبیدالله بن زیاد كان هو أمیر العراق حین مقتل الحسین، و قد ثبت بالنقل الصحیح: أنه هو الذی أرسل عمر بن سعد مقدما علی الطائفة التی قاتلت الحسین، و امتنع عمر من ذلك، فأرغبه و أرهبه حتی فعل ما فعل [10] .

و قد ذكر المصنفون من أهل العلم بالأسانید المقبولة: أنه لما كتب أهل العراق الی الحسین، و هو بالحجاز: أن یقدم علیهم، و قالوا: انه قد أمیتت السنة، و أحییت البدعة. و أنه، و أنه، حتی یقال: انهم أرسلوا الیه كتبا مل ء صندوق و أكثر، و أنه أشار علیه الأحباء الأنباء. فانه كما قیل:



و ما كل ذی لب بمؤتیك نصحه

و ما كل مؤت نصحه بلبیب



فقد أشار علیه مثل عبدالله بن عباس، و عبدالله بن عمر، و غیرهما


بأن لا یذهب الیهم. و بذلك كان قد وصاه أخوه الحسین [11] : و اتفقت كلمتهم علی أن هذا لا مصلحة فیه، و أن هؤلاء یكذبونه و یخذلونه، اذ هم أسرع الناس الی فتنة، و أعجزهم فیها، و أن أباه كان أفضل منه و أطوع فی الناس، و جمهور الناس معه. و مع هذا فكان فیهم من الخلاف علیه و الخذلان له ما الله به علیم. حتی صار یطلب السلم بعد أن كان یدعو الی الحرب. و ما مات الا و قد كرههم كراهة الله بها عظیم. و قد دعا علیهم و تبرم بهم.

فلما ذهب الحسین رضی الله عنه، و أرسل ابن عمه عقیل [12] الیهم، و تابعه طائفة. ثم لما قدم عبیدالله بن زیاد الكوفة، قاموا مع ابن زیاد، و قتل عقیل و غیرهما. فبلغ الحسین ذلك، فأراد الرجوع، فوافه سریة عمر بن سعد، و طلبوا منه أن یستأسر لهم، فأبی، و طلب أن یردوه الی یزید بن عمه، حتی یضع یده فی یده، أو یرجع من حیث جاء، أو یلحق ببعض الثغور، فامتنعوا من اجابته الی ذلك، بغیا و ظلما و عدوانا. و كان من أشدهم تحریضا علیه: شمر بن الجوشن [13] . و لحق بالحسین طائفة منهم، و وقع القتل حتی أكرم الله الحسین و من أكرمه من أهل بیته بالشهادة، رضی الله عنهم و أرضاهم. و أهان بالبغی و الظلم و العدوان من أهانه بما انتهكه من حرمتهم، و استحله من دمائهم (و من یهن الله فما له من مكرم، ان الله یفعل ما یشاء) [14] و كان ذلك من نعمة الله علی الحسین، و كرامته له، لینال منازل الشهداء، حیث لم یحصل له من أول الاسلام من الابتلاء و الامتحان ماحصل لسائر أهل بیته، كجده صلی الله علیه و سلم، و أبیه و عمه، و عم أبیه رضی الله عنهم. فان بنی هاشم أفضل قریش، و قریشا أفضل العرب، و العرب أفضل بنی آدم، كما صح ذلك عن النبی صلی الله علیه و سلم، قوله فی الحدیث الصحیح: «ان الله اصطفی


بنی اسماعیل، و اصطفی كنایة من بنی اسماعیل، و اصطفی قریشا من كنانة، و اصطفی بنی هاشم من قریش».

و فی صحیح مسلم عنه أنه قال یوم غدیر خم: «أذكركم الله فی أهل بیتی، أذكركم الله فی أهل بیتی، أذكركم الله فی أهل بیتی».

و فی السنن: «أنه شكا الیه العباس: أن بعض قریش یحقرونهم، فقال: و الذی نفسی بیده لا یدخلون الجنة حتی یحبوكم لله و لقرابتی».

و اذا كانوا أفضل الخلائق فلا ریب أن أعمالهم أفضل الأعمال [15] .

و كان أفضلهم رسول الله صلی الله علیه و سلم، الذی لا عدل [16] له من البشر، ففاضلهم أفضل من كل فاضل من سائر قبائل قریش و العرب، بل و بنی اسرائیل و غیرهم.

ثم علی و حمزة و جعفر و عبیدة بن الحارث: هم من السابقین الأولین من المهاجرین. فهم أفضل من الطبقة الثانیة من سائر القبائل. و لهذا لما كان یوم بدر أمرهم النبی صلی الله علیه و سلم بالمبارزة لما برز عتبة بن ربیعة و شیبة بن ربیعة و الولید بن عتبة. فقال النبی صلی الله علیه و سلم: «قم یا حمزة. قم یا عبیدة. قم یا علی» فبرز الی الثلاثة ثلاثة من هاشم.

و قد ثبت فی الصحیح: أن فیهم نزل قوله: (هذان خصمان اختصموا فی ربهم - الآیة) [17] و ان كان فی الآیة عموم.

و لما كان الحسن و الحسین سیدا شباب أهل الجنة، و كانا قد ولدا بعد الهجرة فی عز الاسلام، و لم ینلهما من الأذی و البلاء ما نال سلفهما الطیب،


فأكرمهما الله بما أكرمهما به من الابتلاء، لیرفع درجاتهما. و ذلك من كرامتهما علیه لا من هوانهما عنده، كما أكرم حمزة و علیا و جعفرا و عمر و عثمان و غیرهم بالشهادة.

و فی المسند و غیره: عن فاطمة بنت الحسین عن أبیها الحسین عن النبی صلی الله علیه و سلم أنه قال: «ما من مسلم یصاب بمصیبة فیذكر مصیبة، و ان قدمت، فیحدث لها استرجاعا [18] ، الا أعطاء الله من الأجر مثل أجره یوم أصیب بها».

فهذا الحدیث رواه الحسین، و عنه بنته فاطمة التی شهدت مصرعه.

و قد علم الله أن مصیبته تذكر علی طول الزمان.

فالمشروع اذا ذكرت المصیبة و أمثالها أن یقال: (انا لله و انا الیه راجعون) «اللهم آجرنا فی مصیبتنا و اخلف لنا خیرا منها». قال تعالی: (و بشر الصابرین. الذین اذا أصابتهم مصیبة قالوا: انا لله و انا الیه راجعون) قال تعالی: (أولئك علیهم صلوات من ربهم و رحمة و أولئك هم المهتدون).

و الكلام فی أحوال الملوك علی سبیل التفصیل: متعسر أو متعذر، لكن یعلم من حیث الجملة، و هم أنهم هم و غیرهم من الناس ممن له حسنات و سیئات یدخلون بها فی نصوص الوعد [19] ، أو نصوص الوعید [20] .

و تناول نصوص الوعد للشخص مشروط بأن یكون عمله خالصا لوجه


الله، موافقا للسنة [21] . فان النبی صلی الله علیه و سلم قیل له: «الرجل یقاتل شجاعة، و یقاتل حمیة، و یقاتل ریاء، فأی ذلك فی سبیل الله؟ فقال: من قاتل لتكون كلمة الله هی العلیا، فهو فی سبیل الله».

و كذلك شمول نصوص الوعید له مشروط بأن لا یكون متأولا تأویلا مخطئا. فان الله عفا لهذه الأمة عن الخطأ و النسیان.

و كثیر من تأویلات المتقدمین و ما یعرض لها فیها من الشبهات معروفة بما یحصل بها من الهوی و الشهوات؛ فیأتون ما یأتونه بشبهة و شهوة.

و السیئات التی یرتكبها أهل الذنوب تزول بالتوبة، و قد تزول بحسنات ماحیة، و مصائب مكفرة. و قد تزول بصلاة المسلمین علیه، و بشفاعة النبی صلی الله علیه و سلم یوم القیامة فی أهل الكبائر [22] . فلهذا كان أهل العلم یختارون فیمن عرف بالظلم و نحوه مع أنه مسلم له أعمال صالحة فی الظاهر - كالحجاج و أمثاله - لأنهم لا یلعنون أحدا بعینه، بل یقولون كما قال الله تعالی: (ألا لعنة الله علی الظالمین) [23] فیلعنون من لعنه الله و رسوله عاما، كقوله صلی الله علیه و سلم: «لعن الله الخمر و عاصرها و معتصرها، و بائعها، و مشتریها، و ساقیها و شاربها، و حاملها و المحمولة الیه و آكل ثمنها» و لا یلعنون المعین.

كما ثبت فی صحیح البخاری و غیر: «أن رجلا - كان یدعی حمارا - و كان یشرب الخمر، و كان النبی صلی الله علیه و سلم یجلده، فأتی به مرة، فلعنه رجل، فقال النبی صلی الله علیه و سلم: «لا تلعنه. فانه یحب الله و رسوله».

و ذلك لأن اللعنة من باب الوعید، و الوعید العام قد ینتفی فی حق


المعین لأحد الأسباب المذكورة، من توبة، أو حسنات ماحیة، أو مصائب مكفرة، أو شفاعة مقبولة. و غیر ذلك.

و طائفة من العلماء یلعنون المعین، و طائفة بازاء هؤلاء یقولون: بل نحبه، لما فیه من الایمان یوالی علیه، اذ لیس كافرا.

و المختار عند الأئمة: أنا لا نلعن معینا، و لا نحب معینا، فان العبد قد یكون فیه سبب هذا و سبب هذا اذا اجتمع فیه من حب الأمذبن.

اذ كان من أصول أهل السنة، التی فارقوا بها الخوارج [24] و المعتزلة [25] و المرجئة [26] : أن الشخص الواحد تجتمع فیه حسنات و سیئات، فیثاب علی حسناته، و یعاقب علی سیئاته. و یحمد علی حسناته، و یذم علی سیئاته. و أنه من وجه: مرضی محبوب، و من وجه: بغیض مسخوط، فلذا كان لأهل الأحداث: هذا الحكم.

و أما أهل التأویل المحض، الذی یسوخ تأویلها: فأولئك مجتهدون مخطئون خطؤهم مغفور لهم. و هم مثابون علی ما أحسنوا فیه من حسن قصدهم و اجتهادهم فی طلب الحق و اتباعه. كما قال النبی صلی الله علیه و سلم: «اذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران. و اذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر».

و لهذا كان الكلام فی السابقین الأولین و من شهد له بالجنة، كعثمان و علی و طلحة و الزبیر و نحوهم: له حكم آخر، بل و من هو دون هؤلاء، مثل أكابر أهل الحدیبیة الذین بایعوا تحت الشجرة. و كانوا أكثر من ألف و أربعمائة..

و قد ثبت فی الصحیح عن النبی صلی الله علیه و سلم أنه قال: «لا یدخل النار أحد بایع الشجرة».


فهؤلاء و نحوهم فیما شجر بینهم: اما أن یكون عما أحدهم سعیا مشكورا أو ذنبا مغفورا، أو اجتهادا قد عفی لصاحبه عن الخطأ فیه، فلهذا كان من أصول أهل العلم: أنه لا یمكن أحد من الكلام فی هؤلاء بكلام یقدح فی عدالتهم و دیانتهم، بل یعلم أنهم عدول مرضیون، رضی الله عنهم و أرضاهم - لاسیما و المنقول عنهم من العظائم كذب مفتری، مثلما كان طائفة من شیعة عثمان یتهمون علیا بأنه امر بقتل عثمان، أو أعان علیه، و كان بعض من یقاتله یظن ذلك فیه، و كان ذلك من شبههم التی قاتلوه بها و هی شبهة باطلة. و ان علی یحلف - و هو الصادق البار -: «انی ما قتلت عثمان، و لا أعنت علی قتله» و یقول «اللهم شئت قتلة عثمان فی البر و البحر و السهل و الجبل» و كانوا یجعلون امتناعه من تسلیم قتله عثمان من شبههم فی قتاله. و علی لم یكن متمكنا من أن یعمل. كل ما یریده من اقامة الحدود، و نحو ذلك، لكون الناس مختلفین ملتاث أمرهم، و عسكره و أمراء عسكره غیر مطیعین له فی كل ما كان یأمرهم به. فان التفرق و الاختلاف یقوم فیه من الشر و الفساد و تعطیل الأحكام ما یعلمه من یكون من العلم العارفین بما جاء من النصوص فی فضل الجماعة و الاسلام.

و یزید بن معاویة: قد أتی أمورا منكرة منها: وقعة الحرة، و قد جاء فی الصحیح عن علی رضی الله عنه عن النبی صلی الله علیه و سلم قال: «المدینة حرم ما بین عاثر الی كذا. من أحدث فیها حدثا، أو أوی محدثا فعلیه لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعین، لا یقبل الله منه صرفا و لا عدلا» و قال «من أراد أهل المدینة بسوء امامه الله كما ینماع الملح فی الماء».

و لهذا قیل للامام أحمد: أتكتب الحدیث عن یزید؟ فقال: لا، و لا كرامة أو لیس هو الذی فعل بأهل الحرة ما فعل؟.

و قیل له: ان قوما یقولون: انا نحب یزید: فقال: و هل یحب یزید أحد یؤمن بالله و الیوم الآخر؟ فقیل: فلماذا لا تلعنه؟ فقال: و متی رأیت أباك یلعن أحدا. انتهی.


و مذهب أهل السنة و الجماعة: أنهم لا یكفرون أهل القبلة بمجرد الذنوب، و لا بمجرد التأویل، بل الشخص الواحد اذا كانت له حسنات و سیئات: فأمره الی الله تعالی.

و هذا الذی ذكرناه: هو المتفق علیه بین الناس فی مقتله رضی الله عنه.

و قد رویت زیادات: بعضها صحیح، و بعضها ضعیف، و بعضها كذب موضوع.

و المصنفون من أهل الحدیث فی ذلك - كالبغوی، و ابن أبی الدنیا، و نحوهما: كالمصنفین من أهل الحدیث فی سائر المنقولات - هم ذلك أعلم و أصدق بلا نزاع بین أهل العلم. لأنهم یسندون ما ینقلونه عن الثقات، أو یرسلونه عمن یكون مرسله مقارب الصحة؛ بخلاف الاخباریین؛ فان كثیرا مما یسندونه: یسندونه عن كذاب أو مجهول. أما ما یرسلونه: فظلمات بعضها فوق بعض، و هؤلاء لعمری ممن ینقل عن غیره مسندا أو مرسلا.

و أما أهل الأهواء و نحوهم: فیعتمدون علی نقل لا یعرف له قائل أصلا، لا ثقة و لا ضعیف، و أهون شی ء عندهم الكذب المختلق، و أعلم من فیهم لا یرجع فیما ینقله الی عمدة، بل الی سماعات عن المجاهیل و الكذابین، و روایات عن أهل الافك المبین.

فقد تمن أن القصة التی یذكرون فیها حمل الرأس الی یزید، و نكته بالقضیب: كذبوا فیها: و ان كان الحمل الی ابن زیاد - و هو الناكت بالقضیب - و لم ینقل باسناد معروف أن الرأس حمل الی قدام یزید.

و لم أر فی ذلك الا اسنادا منقطعا؛ قد عارضه من الروایات ما هو أثبت منها و أظهر - نقلوا فیها: أن یزید لما بلغه مقتل الحسین أظهر التألم [27] من ذلك.


و قال: لعن الله أهل العراق، لقد كنت أرضی من طاعتهم بدون هذا.

و قال فی ابن زیاد: أما انه لو كان بینه و بین الحسین رحم لما قتله [28] ، و أنه ظهر فی داره الندب لقتل الحسین، و أنه لما قدم علیه أهله و تلاقی النساء تباكین، و أنه خبر ابنه علیا بین المقام عنده و السفر الی المدینة، فأختار السفر الی المدینة فجهزه الی المدینة جهازا حسنا.

فهذا و نحوه مما نقلوه بالأسانید التی هی أصح و أثبت من ذلك الاسناد المنقطع المجهول: یبین أن یزید لم یظهر الرضی بقتل الحسین، و أنه أظهر الألم لقتله. و الله أعلم بسریرته.

و قد علم أنه یأمر [29] بقتله ابتداء، لكنه مع ذلك ما انتقم من قاتلیه، و لا عاقبهم علی ما فعلوا، اذ كانوا قتلوه لحفظ ملكه، ولو قام بالواجب فی الحسین و أهل البیت رضی الله عنهم أجمعین، و لم یظهر له من العدل و حسن السیرة ما یوجب حمل أمره علی أحسن المحامل، و لا نقل أحد أنه كان علی أسوا الطرائق التی توجب الحد، ولكن ظهر من أمره فی أهل الحرة ما لا نستریب أنه عدوان محرم و كان له موقف فی القسطنطینیة - و هو أول جیش غزاها - ما یعد من الحسنات.

و المقصود هنا: أن نقل رأس الحسین الی الشام لا أصل له فی زمن یزید، فكیف بنقله بعد زمن یزید؟ و انما الثابت: هو نقله الی أمیر العراق عبدالله بن [30] زیاد بالكوفة، و الذی ذكر العلماء، أنه دفن بالمدینة.


و أما ما یرویه من لا عقل له یمیز به ما یقول، و لا له المام بمعرفة المنقول: من أن أهل البیت سبوا، و أنهم حملوا علی البخاتی، و أن البخاتی نبت لها من ذلك الوقت سنامان: فهذا الكذب الواضح الفاضح لمن یقوله. فان البخاتی لا تستر امرأة، و لا سبی أهل البیت أحد، و لا سبی منهن أحد. بل هذا كما یقولون: الحجاج قتلهم.

و قد علم أهل النقل كلهم. أن الحجاج لم یقتل أحدا من بنی هاشم، كما عهد الیه خلیفته عبدالملك، و أنه لما تزوج بنت عبدالله بن جعفر: شق ذلك علی بنی أمیة و غیرهم من قریش، و رأوه لیس بكف ء لها، و لم یزالوا به حتی فرقوا بینه و بینها. بل بنو مروان علی الاطلاق لم یقتلوا أحدا من بنی هاشم، لا آل علی، و لا آل عباس، الا زید بن علی [31] المطلوب بكناسة الكوفة، و ابنه یحیی.

الوجه الخامس أنه لو قدر أنه حمل الی یزید، فأی غرض لهم فی دفنه بعسقلان، و كانت اذ ذاك ثغرا بقیم بها المرابطون؟ فان كان قصدهم تعفیة خبره فمثل عسقلان تظهره، لكثرة من ینتابها للرباط، و ان كان قصدهم بركة البقعة فكیف یقصد هذا من یقال: انه عدو له مستحل لدمه، ساع فی قتله؟

ثم من المعلوم: أنه دفنه قریبا عند أمه و أخیه بالبقیع أفضل له.

الوجه السادس أن دفنه بالبقیع: هو الذی تشهد له عادة القوم، فانهم كانوا فی الفتن، اذا قتل الرجل فیهم - لم یكن منهم - سلموا رأسه و بدنه الی أهله، كما فعل الحجاج بابن الزبیر لما قتله و صلبه، ثم سلمه الی أهله.

و قد علم أن سعی الحجاج فی قتل ابن الزبیر، و أن ما كان بینه و بینه من الحروب: أعظم بكثیر مما كان بین الحسین و بین خصومه، فان ابن الزبیر ادعاها بعد مقتل الحسین، و بایعه أكثر الناس، و حاربه یزید حتی مات و جیشه محاربون له بعد الحرة.


ثم تولی عبدالملك غلبه علی العراق مع الشام، ثم بعث الیه الحجاج ابن یوسف، فحاصره الحصار المعروف حتی قتل، ثم صلبه، ثم سلمه الی أمه.

و قد دفن بدن الحسین فی مصرعه بكربلاء، و لم ینبش، و لم یمثل به، فلم یكونوا یمتنعون من تسلیم رأسه الی أهله، كما سلموا بدن ابن الزبیر الی أهله، و اذا تسلم أهله رأسه، فلم یكونوا لیدعوا دفنه عندهم بالمدینة المنورة عند عمه و أمه و أخیه، و قریبا من جده صلی الله علیه و سلم، و یدفنونه بالشام، حیث لا أحد اذ ذاك ینصرهم علی خصومهم؟ بل كثیر منهم كان یبغضه و یبغض أباه. هذا لا یفعله أحد.

و القبة التی علی العباس [32] یقال: ان فیها مع العباس الحسن، و علی ابن الحسین و أباجعفر محمد بن علی و جعفر بن محمد. و یقال: ان فاطمة تحت الحائط، أو قریبا من ذلك و أن رأس الحسین هناك أیضا.

الوجه السابع أنه لم یعرف قط أن أحدا، لا من السنة، و لا من الشیعة، كان ینتاب ناحیة عسقلان لأجل رأس الحسین، و لا یزورونه و لا یأتونه، كما أن الناس لم یكونوا ینتابون الأماكن التی تضاف الی الرأس فی هذا الوقت، كموضع بحلب.

فاذا كانت تلك البقاع لم یكن الناس ینتابونها [33] و لا یقصدونها، و انما كانوا ینتابون كربلاء، لأن البدن هناك. كان دلیلا علی أن الناس فیما مضی لم یكونوا یعتقدون أن الرأس فی شی ء من هذه البقاع، ولكن الذی اعتقدوه: هو وجود البدن بكربلاء، حتی كانوا ینتابونه فی زمن أحمد و غیره، حتی ان فی مسائله: مسائل فیما یفعل عند قبره، ذكرها أبوبكر الخلال فی جامعة الكبیر فی زیاة المشاهد.

و لم یذكر أحد من العلماء أنهم كانوا یزورون التی بالشام موضع الرأس


فی شی ء من هذه البقاع غیر المدینة.

فعلم أن ذلك لو كان حقا لكان المتقدمون به أعلم. ولو اعتقدوا ذلك لعملوا ما جرت عادتهم بعمله، و لأظهروا ذلك و تكلموا به، كما تكلموا فی نظائره.

فلما لم یظهر عن المتقدمین - بقول و لا فعل - ما یدل علی أن الرأس فی هذه البقاع: علم أن ذلك باطل. و الله أعلم.

الوجه الثامن أن یقال: مازال أهل العلم فی كل وقت و زمان یذكرون فی هذا المشهد القاهری المنسوب الی الحسین: أنه كذب و مین [34] ، كما یذكرون ذلك فی أمثاله من المشاهد المكذوبة، مثل المشاهد المنسوبة بدمشق الی أبی بن كعب و أویس القرنی، أو هود أو نوح أو غیرهما: و المشهد المنسوب بحران الی جابر بن عبدالله [35] ، و بالجزیرة الی عبدالرحمن بن عوف، و عبدالله بن عمر و نحوهما. و بالعراق الی علی رضی الله عنه و نحوه، و كذلك ما یضاف الی الأنبیاء غیر قبر نبینا محمد صلی الله علیه و سلم، و ابراهیم الخلیل علیه السلام.

فانه لما كان كثیر من المشاهد مكذوبا مختلقا، كان أهل العلم فی كل وقت یعلمون أن ذلك كذب مختلق، و الكتب و المصنفات المعروفة عن أهل العلم بذلك مملوءة من مثل هذا. یعرف ذلك من تتبعه و طلبه.

و مازال الناس فی مصنفاتهم و مخاطباتهم یعلمون أن هذا المشهد القاهری من المكذوبات المختلقات، و یذكرون ذلك فی المصنفات، حتی من سكن هذا البلد من العلماء بذلك.

فقد ذكر أبوالخطاب بن دحیة فی كتابه «العلم المشهور» فی هذا المشهد فصلا مع ما ذكره فی مقتل الحسین من أخبار ثابتة و غیر ثابتة، و مع هذا فقد ذكر أن المشهد كذب بالاجماع، و بین أنه نقل من عسقلان فی آخر الدولة العبیدیة،


و أنه وضع لأغراض فاسدة، و أنه بعد ذلك بقلیل أزال الله تلك الدولة و عاقبها بنقیض [36] قصدها.

و مازال ذلك مشهورا بین أهل العلم حتی أهل عصرنا من ساكنی الدیار المصریة: القاهرة، و ما حولها.

فقد حدثنی طائفة من الثقات، عن الشیخ أبی عبدالله محمد بن علی القشیری المعروف بابن دقیق العید، و طائفة عن الشیخ أبی محمد عبدالمؤمن ابن خلف الدمیاطی، و طائفة عن الشیخ أبی محمد بن القسطلانی، و طائفة عن الشیخ أبی عبدالله محمد القرطبی، صاحب التفسیر و شرح أسماء الله الحسنی، و طائفة عن الشیخ عبدالعزیز الدیرینی - كل من هؤلاء حدثنی عنه من لا أتهمه، و حدثنی عن بعضهم عدد كثیر، كل یحدثنی عمن حدثه من هؤلاء: أنه كان ینكر أمر هذا المشهد و یقول: انه كذب، و انه لیس فیه الحسین و لا رأسه. و الذین حدثونی عن ابن القسطلانی ذكروا عنه أنه قال: ان فیه نصرانیا، بل القرطبی و القسطلانی ذكروا بطلان أمر هذا المشهد فی مصنفاتهما. و بینا فیها أنه كذب، كما ذكره أبوالخطاب بن دحیة.

و ابن دحیة هو الذی بنی له الكامل دار الحدیث الكاملیة، و عند أخذ أبوعمرو ابن الصلاح و نحوه كثیرا مما أخذوه من ضبط الأسماء و اللغات، و لیس الاعتماد فی هذا علی واحد بعینه، بل هذا اجماع من هؤلاء.

و معلوم أنه لم یكن بهذه البلاد من یعتمد علیه فی مثل هذا الباب أعلم و أدین [37] من هؤلاء و نحوهم.

فاذا كانوا متفقین علی أن هذا كذب و مین: علم أن الله قد برأ منه الحسین.


و حدثنی من حدثنی من الثقات: أن من هؤلاء من كان یوصی أصحابه بأن لا یظهروا ذلك عنه؛ خوفا من شر العامة بهذه البلاد، لما فیهم من الظلم و الفساد. اذ كانوا فی الأصل رعیة للقرامطة [38] الباطنیین، و استولوا علیها مائتی سنة. فزرعوا فیهم من أخلاق الزنادقة المنافقین، و أهل الجهل المبتدعین، و أهل الكذب الظالمین: ما لم یمكن أن ینقلع الا بعد حین، فانه قد فتحها أهل الایمان و السنة فی الدولة النوریة و الصلاحیة، و سكنها من أهل الاسلام و السنة من سكنها، و ظهرت بها كلمة الایمان و السنة نوعا من الظهور، ولكن النفاق و البدعة فیها كثیر متور، و فی كل وقت یظهر الله فیها من الایمان و السنة ما لم یكن مذكورا،و یطغی فیها من النفاق و الجهل ما كان مستورا.

و الله هو المسؤول أن یظهر بسائر البلاد ما یحبه و یرضاه، من الهدی و السداد و یعظم علی عباده الخیر بظهور الاسلام و السنة. و یحقق ما وعد به فی القرآن من علو كلمته، و ظهور أهل الایمان.

و كثیر من الناس قد تخلق بأخلاق هی فی الأصل من أخلاق الكفار و المنافقین و ان لم یكن بذلك من العارفین، كما یشارك النصاری فی أعیادهم، و یعظم ما یعظمونه من الأمكنة و الأزمنة و الأعمال. و هو لا یقصد بذلك تعظیم الكفر، بل و لا یعرف أن ذلك من خصائصهم، فاذا عرف ذلك انتهی عنه و تاب منه.

و كذلك كثیر من الناس تخلقوا من أخلاق أهل النفاق بأمور، لا یعرف أنها من أخلاق المنافقین، و اذا عرف ذلك كان الی الله من التائبین. و الله یتوب علینا و علی جمیع المذنبین.

و هذا كله كلام فی بطلان ذلك، و فی كذبه.

ثم نقول: سواء كان صحیحا أو كذبا، فان بناء المساجد علی المقابر لیس من دین المسلمین، بل هو منهی عنه بالنصوص الثابتة عن النبی صلی الله علیه و سلم و اتفاق أئمة الدین، بل لا یجوز القبور مساجد، سواء كان ذلك ببناء


المسجد علیها، أو بقصد الصلاة عندها، بل أئمة الدین متفقون علی النهی عن ذلك، و أنه لیس لأحد أن یقصد الصلاة عند قبر أحد، لا نبی و لا غیر نبی، و كل من قال: ان قصد الصلاة عند قبر أحد، أو عند مسجد بنی [39] علی قبر أو مشهد، أو غیر ذلك: أو مشروع، بحیث یستحب ذلك و یكون أفضل من الصلاة فی المسجد الذی لا قبر فیه: فقد مرق من الدین، و خالف اجماع المسلمین. و الواجب أن یستتاب، فان تاب و الا قتل.

بل لیس لأحد أن یصلی فی المساجد التی علی القبور [40] ، ولو لم یقصد الصلاة عندها، فلا یفعل ذلك لا اتفاقا و لا ابتغاء، لما فی ذلك من التشبه بهم، و الذریعة الی الشرك، و وجوب التنبیه علیه و علی غیره، كما قد نص علی ذلك أئمة الاسلام من أهل المذاهب الأربعة و غیرهم. منهم من صرح


بالتحریم [41] . و منهم من أطلق الكراهة. و لیست هذه المسألة عندهم مسألة الصلاة فی المقبرة العامة. فان تلك منهم من یعلل النهی عنها بنجاسة التراب، و منهم من یعلله بالتشبه بالمشركین.

و أما المساجد المبنیة علی القبور. فقد كرهوه، معللین بخوف الفتنة [42] بتعظیم المخلوق، كما ذكر ذلك الشافعی و غیره من سائر أئمة المسلمین.

و قد نهی النبی صلی الله علیه و سلم عن الصلاة عند طلوع الشمس، و عند غروبها، و قال «انه حینئذ یسجد لها الكفار» فنهی عن ذلك، لما فیه من المشابهة لهم، و ان لم یقصد السجود الا للواحد المعبود [43] .


فكیف بالصلاة فی المساجد التی علی القبور؟

و هذه المسألة قد بسطناها فی غیر هذا الجواب.

و انما كان المقصود: تحقیق مكان رأس الحسین رضی الله عنه، و بیان أن الأمكنة المشهورة عند الناس بمصر و الشام: أنها مشهد الحسین، و أن فیها رأسه فهی كذب و اختلاق، و افك و بهتان. و الله أعلم.


[1] و الذين جاءوا الي مصر و لقبوا أنفسهم بالفاطميين نسبة الي فاطمة الزهراء، و هي بريئة منهم، لأنهم كذابون فجار و ثنيون أدخلوا الطقوس و الرقص و الطرب في دولة الاسلام و أحالوا شعائر الدين و عباداته الي حانات لمعاقرة المنكرات، و أكثر من عالم مخلص كشف ما هم فيه من زيف و بهتان.

[2] و في الحديث الشريف (لا يدخل صاحب مكس الجنة).

[3] أي بشرق الجزيرة العربية علي شاطي ء الخليج الفارسي.

[4] اي لم يذهب به الي أمصار غريبة عنه.

[5] يقول القرطبي: - «لما ذهب بالرأس الي يزيد بعث به الي المدينة فأقدم اليه عدة من موالي بني هاشم و ضم اليهم عدة من موالي أبي سفيان ثم بعث بثقل الحسين و جهزهم بكل شي ء و لم يدع لهم حاجة بالمدينة الا أمر لهم بها، و بعث برأس الحسين عليه السلام الي عمرو بن سعيد بن العاص و هو اذ ذاك عامله علي المدنية فقال عمرو وددت أنه لم يبعث به الي، ثم أمر عمرو بن سعيد بن العاص برأس الحسين عليه السلام فكفن و دفن بالبقيع عند قبر أمه فاطمة عليها الصلاة و السلام» التذكرة (668: 2).

و قد نقل القرطبي هذا الرأي عن العلامة الحافظ أبوالعلا الهمذاني و هذا ما نطمئن اليه و نثق فيه. المحقق.

و ان كانت الامامية تقول ان الرأس أعيد الي الجثة بكربلاء بعد أربعين يوما أو الي عسقلان في مشهد هناك أو في المشهد القاهري المعروف فهذا شي ء باطل لا يصح و قد أنكره القرطبي أيضا و دفع ببطلانه و نحن نؤيده في رأيه.

و ابن كثير يؤيد رأي القرطبي فيقول: - «روي محمد بن سعد أن يزيد بعث برأس الحسين الي عمرو بن سعيد نائب المدينة، فدفنه عند أمه بالبقيع» ا. ه. البداية و النهاية (221: 8).

و قد ذكر ابن جرير الطبري أن موضع قتل الحسين بن علي رحمه الله بكربلاء قد عفي أثره حتي لم يطلع أحد علي تعيينه بخبر.

البداية و النهاية. (221: 8) بتصرف.

و قد كان أبونعيم - الفضل بن دكين - ينكر علي من يزعم أنه يعرف قبر الحسين. (السابق).

[6] كذا وردت بالأصل و الأصح (ينقلونه).

[7] ذكره ابن عدي و قال: - (شيعي منحرف)

و قال عنه الحافظ الذهبي في ميزان الاعتدال أنه لوط بن يحيي أبومخنف و قال فيه: (أنه لا يوثق به).

[8] راجع التفاصيل في التذكرة للقرطبي (667 - 666: 2) نقلا عن صحيح البخاري.

[9] ولكن الامام الطبري يقول أن يزيد بن معاوية هو الذي نكث بالقضيب في وجود أبي برزة الأسلمي. راجع تاريخ الطبري (356: 4)

و نفس القول يؤيده المسعودي في مروج الذهب و معادن الجوهر (71 - 70: 3).

[10] راجع البداية و النهاية (170: 8) و الاصابة (17: 2).

[11] كذا بالأصل و الأصح (الحسن).

[12] مسلم بن عقيل: و هو رسول الحسين الي عبيدالله بن زياد و قتله ابن زياد و كان أول رسول مبعث يقتل في الاسلام.

[13] و شمر بن ذي الجوشن كان أبرص قبحه الله و لعنه، و كان معروفا بشدة عدائه و سخيمته علي أهل البيت.

[14] الحج (18: 22).

[15] قال تعالي: - (رحمة الله و بركاته عليكم أهل البيت انه حميد مجيد) هود (73: 11)

و معني الآية: أي رحمكم الله و بارك فيكم يا أهل بيت ابراهيم. الصابوني (620: 12).

[16] العدل: الند و النظير.

[17] الحج (19: 22) راجع تفسير القرطبي (26: 12) لهذا الآية، و الفخر الرازي الكبير (22: 23) و صفوة التفاسير (882: 17).

[18] الاسترجاع: أن يقول عند نزول المصيبة (انا لله و انا اليه راجعون) و قد قال صلي الله عليه و سلم: - «ليسترجع أحدكم في كل شي ء حتي في شسع نعله فانها من المصائب» رواه ابن السني في عمل (اليوم و الليلة) رقم 354 و في سنده يحيي بن عبدالله التيمي لم يوثقه غير ابن حبان و باقي رجاله ثقات.

و قال تعالي: - (و بشر الصابرين، الذين اذا أصابتهم مصيبة قالوا انا لله و انا اليه راجعون) البقرة (155: 2) و (156: 2).

[19] وعد: و أوعد تقال في الخير و الشر أما الوعيد و الايعاد ففي الشر. راجع المختار ص 728 بتصرف.

[20] وعد: و أوعد تقال في الخير و الشر أما الوعيد و الايعاد ففي الشر. راجع المختار ص 728 بتصرف.

[21] و قد كرر شيخ الاسلام ابن تيمية في أكثر من موضع في مصنفاته القيمة الكثيرة أن الله لا يقبل عملا ما لم يتوفر فيه شيئان: الأول: أن يكون خالصا لوجه الله تعالي الثاني: أن يكون صوابا أي علي السنة خاليا من البدع و الضلالات. رحمه الله ابن تيمية.

[22] و في الحديث الصحيح يقول النبي صلي الله عليه و سلم: - «شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي».

[23] هود (18: 11).

[24] راجع الفرق بين الفرق للبغدادي ص 24.

[25] المرجع السابق ص 24.

[26] السابق ص 25.

[27] و قال في ذلك الامام محمد بن حرير الطبري: -

«... فدمعت عين يزيد و قال: قد كنت أرضي من طاعتكم بدون مقتل الحسين، لعن الله ابن سمية، أما و الله لو أني صاحبه لعفوت عنه، فرحم الله الحسين» ا.ه.

ثم بعد ذلك يقول: - «أن يزيد بن معاوية قال لما وضعت الرؤوس بين يديه - رأس الحسين و أهل بيته و أصحابه - قال يزيد:



يفلقن هاما من رجال أعزة

علينا، و هم كانوا أعق و أظلما



أما والله يا حسين لو أنا صاحبك ما قتلتك» ا.ه. تاريخ الطبري (352: 4).

[28] قال يزيد: - «قبح الله ابن مرجانة لو كانت بينه و بينكم رحم أو قرابة ما فعل هذا بكم، و لا بعث بكم هكذا» تاريخ الطبري (353: 4).

[29] لعل الأصح و المقصود (لم يأمر).

[30] كذا ورد بالأصل و الأصح (عبيدالله بن زياد).

[31] و قد خرج علي هاشم بن عبدالملك بن مروان لينتزع الملك و الخلافة منه فقتله هشام بن عبدالملك في صفر سنة 122 ه.

[32] بالبقيع في المدينة.

[33] ينتابونها: ينتهون اليها.

[34] المين: بفتح الميم و سكون الياء: الكذب و الافتراء.

[35] و كذلك قبر سيدي جابر بالاسكندرية كذب مفتري روجت له طائفة من المنتفعين.

[36] و أصعب و أشق الأمور معاقبة الجاني بنقيض مقصوده و قد أقر الشارع هذا في ال فقه الاسلامي فان قاتل والديه لا يورث، اذ أنه قتل ليتعجل الميراث فعامله الشرع بنقيض مقصودة فقال لا يرث.

[37] كذا ورد بالأصول و قصد المؤلف رحمه الله أن يقول: - أعلم و أدين أي أكثر علما و أخلص دينا.

[38] و لا تزال أرض القرامطة حتي الآن موجودة في بني عبيد، و هي من أعمال مديرية الدقهلية من القطر المصري.

[39] كذا بالأصل و الأصح (نبي) و هو تصحيف.

[40] و لما كان مرض النبي صلي الله عليه و سلم تذاكر بعض نسائه كنيسة بأرض الحبشة يقال لها مارية - و قد كانت أم سلمة و أم حبيبة قد أتتا أرض الحبشة - فذكرن من حسنها و تصاويرها قالت: فرفع النبي صلي الله عليه و سلم رأسه فقال: - «أولئك اذا كان فيهم الرجل الصالح بنوا علي قبره مسجدا ثم صورا تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة» و الحديث رواه البخاري (422 - 416: 1) و مسلم (66: 2) و النسائي (115: 1): و أحمد (51: 6) و ابن سعد في طبقاته (241 - 240: 2).

و قال الحافظ بن رجب في فتح الباري (2: 82: 65):

«و هذا الحديث يدل علي تحريم بناء المساجد علي قبور الصالحين و تصوير صورهم فيها كما يفعله اليهود و النصاري و لا ريب أن كل واحد منهما محرم علي انفراده» ا. ه.

و من حديث آخر عن جندب بن عبدالله البجلي أنه سمع النبي صلي الله عليه و سلم قبل أن يموت بخمس و هو يقول: -

«قد كان لي فيكم اخوة و أصدقاء، و اني أبرأ - أنكر - الي الله أن يكون لي فيكم خليل، و ان الله عزوجل قد اتخذني خليلا كما اتخذ ابراهيم خليلا، و لو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبابكر خليلا، ألا و ان من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم و صالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فاني أنهاكم عن ذلك» رواه مسلم (68 - 67: 2) و أبو عوانه (401: 1) و الطبراني في معجمه الكبير (2: 84: 1) كذلك رواه ابن سعد (340: 2) مختصرا دون ذكر الأخوة و اتخاذ الخليل.

ولكن الحافظ نور الدين الهيثمي ضعفه في مجمع الزوائد (45: 9).

و قد كان من دعائه صلي الله عليه و سلم: - «اللهم لا تجعل قبري و ثنا يعبد، لعن الله قوما اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»

رواه أحمد رقم (7352) و ابن سعد (242 - 241: 2) و أبونعيم في الحلية (317: 7) بسند صحيح.

[41] و قد ذهب الشافعية الي أنه كبيرة فقد قال الهيثمي في الزواجر عن اقتراف الكبائر (120: 1): - «الكبيرة الثالثة و الرابعة و الخامسة و السادة و السابعة و الثامنة و التاسعة اتخاذ القبور مساجد و ايقاد السرج عليها، و اتخاذها أوثانا و الطواف بها و استلامها و الصلاة اليها» و عقب علي ذلك الامام محمود الألوسي بقوله: - (و هذا كلام يدل علي فهم و فقه في الدين).

راجع روح المعاني للألوسي (31: 5).

أما مذهب الحنفية فهو الكراهة التحريمية، فالكراهة عند الحنفية انما يقصد بها التحريم يقول تلميذ أبي حنيفة الامام محمد: -

«لا نري أن يزداد علي ما خرج من القبر، و نكره أن يجصص أو أو يطين أو يجعل عنده مسجدا» راجع كتاب الآثار ص 45.

أما المالكية فمذهبهم التحريم: يقول القرطبي رحمه الله: - «قال علماؤنا: و هذا يحرم علي المسلمين أن يتخذوا قبور الأنبياء و العلماء مساجد» الجامع لأحكام القرآن (38: 10) ط. دار الكتب المصرية.

أما مذهب امام أهل السنة أحمد بن حنبل فهو التحريم: يقول ابن القيم: - «... و علي هذا فيهدم المسجد اذا بني علي قبر كما ينبش الميت اذا دفن في المسجد، نص علي ذلك الامام أحمد و غيره فلا يجتمع في دين الاسلام مسجد و قبر، بل أيهما طرأ علي الآخر منع منه، و كان الحكم للسابق، فلو و صعا معا لم يجز و لا يصح هذا الوقف و لا يجوز، و لا تصح الصلاة في هذا المسجد لنبي رسول الله صلي الله عليه و سلم عن ذلك و لعنه من اتخذ القبر مسجدا، أو أوقد عليه سراجا فهذا دين الاسلام الذي بعث الله به رسوله و نبيه و غربته بين الناس كما تري!».

راجع زاد المعاد لابن القيم (22: 3) ط. الكردي.

[42] و هذا قبيل سد الذرائع. راجع تفسير القرطبي (57: 2) و الموافقات للشاطبي (253 - 241: 2) و (122: 4) و اعلام الموقعين لابن القيم (136: 3).

[43] و لذلك فنحن في صلاة الجنازة لا نسجد ولكن نصلي قياما أو قائمين و الحكمة في ذلك أي في خلو صلاة الجنازة من السجود انما لسد ذريعة السجود لغير الله، حتي لا يظن السجود لغير الله.

فتأمل عزيزي القاري ء عافاك الله و جعلنا و اياك من المقربين تدبر و تأمل دقة التشريع في سد الذريعة...!!.