کد مطلب:167895 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:271

اشارة
لاشكّ أنّ حجّة أهل الكوفة علی الامام علیه السلام برسائلهم إلیه وببیعتهم كانت قد انتفت عملیاً وانتهت تماماً بعد انقلابهم علی مسلم بن عقیل علیه السلام وخذلانهم إیاه، فلماذا لم یُعرض الامام علیه السلام عن التوجّه إلی العراق، بل أصرَّ علی التوجّه إلیهم، وواصل الاحتجاج علیهم برسائلهم وببیعتهم؟

وفی معرض الاجابة عن هذا التساؤل قد یُقال إنّ مسلم بن عقیل علیه السلام فی مستوی تاثیره علی أهل الكوفة لیس كالامام علیه السلام فی مستوی تأثیره لو دخل الكوفة وكان بین ظهرانی أهلها، إذ إنّ المأمول والمتوقّع أنهم سیلتفّون حول الامام علیه السلام ویسارعون الی نصرته، وهذا التصوّر كان قد أشار إلیه بعض أصحاب الامام علیه السلام حین قال له: (إنّك واللّه ما أنت مثل مسلم بن عقیل، ولو قدمت الكوفة لكان الناس إلیك أسرع..)، [1] ولذا واصل الامام علیه السلام الاصرار علی التوجّه إلی الكوفة حتی بعد مقتل مسلم علیه السلام!


لكنّ التأریخ یثبت أنّ الامام علیه السلام لم یعتمد هذا النظر ولم یتحرّك علی أساسه لعلمه علیه السلام بما سیؤول إلیه موقف أهل الكوفة من قبل ذلك (لاعتقادنا الحقّ بأنّ الائمة (ع) یعلمون بما كان وبما سیكون الی قیام الساعة)، ودلائل تأریخیة عدیدة أ یضاً تؤكّد أنه علیه السلام كان یعلم منذ البدء أنّ أ هل الكوفة سوف یخذلونه ویقتلونه، [2] ولانّ أنباء الكوفة بعد مقتل مسلم علیه السلام تدافعت إلی الامام علیه السلام بسرعة مؤكّدة علی أنّ أهل الكوفة إلاّ من رحم اللّه قد أصبحوا إلباً علی الامام علیه السلام بعد أن عبّاءهم ابن زیاد لقتاله.

فلایبقی إذن إلاّ أن نقول: (إنّ الامام علیه السلام واصل التزامه بالوفاء بهذا الموعد والقول، واصرَّ علی التوجّه الی الكوفة لالانّ لاهل الكوفة حجّة باقیة علیه فی الواقع، بل لانّه لم یشاء أن یدع أیّ مجال لامكان القول بأنّه لم یفِ تماماً بالعهد لو كان قد انصرف عن التوجّه الی الكوفة فی بعض مراحل الطریق، حتّی بعد أن أغلق جیش الحرّ دونه الطریق إلیها، ذلك لانّ الامام علیه السلام مع تمام حجّته البالغة علی أهل الكوفة أ راد فی المقابل بلوغ تمام العذر وعلی أكمل وجه فیما قد یُتصوَّر أنّ لهم حجّة باقیة علیه، بحیث لایبقی مجال للطعن فی وفائه بالعهد.). [3] .



[1] الارشاد: 204.

[2] منها قوله ليزيد بن الرشك: (هذه كتب أهل الكوفة إليَّ ولااراهم إلاّ قاتليَّ..) (تاريخ ابن عساكر (ترجمة الامام الحسين عليه السلام/ تحقيق المحمودي):211، رقم 266)، ومنها قوله عليه السلام: (وخير لي مصرع أنا لاقيه) (اللهوف: 25)، وقوله عليه السلام: (الموعد حفرتي وبقعتي التي أستشهد فيها وهي كربلاء) (اللهوف: 28) وقوله عليه السلام لام سلمة (رض): (يا أمّاه، قد شاء اللّه عز وجلّ أن يراني مقتولاً مذبوحاً ظلماً وعدواناً..) (بحار الانوار، 44:331 332)، وقوله عليه السلام لاخيه محمد بن الحنفيّة (رض): (أتاني رسول اللّه 9 بعد ما فارقتك، فقال: يا حسين أخرج فإنّ اللّه قد شاء أن يراك قتيلاً) (اللهوف: 27)، وهناك غير هذه شواهد كثيرة علي علمه عليه السلام بمصيره وبخذلان أهل الكوفة له.

[3] الجزء الاوّل من هذه الدراسة (مقالة: بين يدي الشهيد الفاتح): 161.