کد مطلب:167907 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:250

اشارة
بقی أن نشیر هنا إلی مسألة مهمّة أخری فی هذا الصدد، وهی أنّ الطبری قد


روی نصّاً صریحاً مفاده أنّ أهم وقائع حركة أحداث الكوفة أیّام تواجد مسلم بن عقیل علیه السلام فیها: من تفكیر السلطة الامویة المركزیة فی الشام بعزل النعمان بن بشیر عن ولایة الكوفة، وتعیین عبید اللّه بن زیاد بدلاً منه، ثمّ ما جری بعد ذلك إلی یوم مقتل مسلم علیه السلام، كلّ تلك الاحداث كانت قد وقعت بعد خروج الامام علیه السلام من مكّة، أی وهو فی الطریق إلی العراق، یقول الطبری فی قصّة استشارة یزید سرجون النصرانی فیمن یستعمل علی الكوفة بدلاً من النعمان: (دعا یزید بن معاویة سرجون مولی معاویة، فقال: ما رأیك؟ فإنّ حسیناً قد توجّه نحو الكوفة، ومسلم بن عقیل بالكوفة یبایع للحسین، وقد بلغنی عن النعمان ضعفٌ وقولٌ سیّء وأقرأه كتبهم فما تری؟ من أستعمل علی الكوفة؟...). [1] .

وهذا النصّ بعبارة (فإنّ حسیناً قد توجّه نحو الكوفة) شاذٌ إذ لم ترد هذه العبارة فی أیّ مصدرٍ تأریخیّ آخر تعرّض ‍ لقصة هذه الاستشارة بین یزید وسرجون، [2] هذا فضلاً عن كون روایة الطبری هذه مرسلة عن عوانة بن الحكم الذی كان عثمانیَّ الهوی، وكان یضع الاخبار لبنی أمیّة كما یقرّر ذلك العسقلانیّ فی لسان المیزان، [3] وفضلاً عن أنّ الطبری نفسه قد روی قصّة هذه الاستشارة أیضاً بسند عن عمّار الدهنی عن أبی جعفر، ولیس فیها هذه العبارة أو ما


بمفادها، [4] بل روی ما یعارض هذه العبارة كمثل قوله (كان مخرج مسلم بن عقیل بالكوفة یوم الثلاثاء لثمان لیالٍ مضین من ذی الحجّة سنة ستین..) [5] أی فی نفس الیوم الذی خرج فیه الامام علیه السلام من مكّة، ومعنی هذا أنّ جُلّ وقایع أیّام مسلم علیه السلام فی الكوفة قد وقعت والامام علیه السلام فی مكّة، ومنها واقعة عزل النعمان عن الكوفة وتنصیب ابن زیاد علی العراق.

إذن لایمكن التعویل علی عبارة روایة الطبری الشاذة، المعارضة للمشهور الثابت وهو: أنّ عزل النعمان عن ولایة الكوفة وتعیین ابن زیاد مكانه كان قد تمّ والامام الحسین علیه السلام لم یزل فی مكّة لم یرحل عنها.

وهناك أیضاً نصُّ لابن عبد البرّ فی كتابه العقد الفرید ربّما أوهم البعضَ كذلك أنَّ عزل النعمان عن ولایة الكوفة وتعیین ابن زیاد بدلاً منه كان قد حصل والامام علیه السلام فی الطریق إلی العراق، یقول ابن عبدالبرّ: (فكتب یزید إلی عبید اللّه بن زیاد وهو والیه علی العراق أنه قد بلغنی أنّ حسیناً سار الی الكوفة، وقد ابتلی به زمانك بین الازمان، وبلدك بین البلدان، وابتلیت من بین العمّال، وعنده تُعتق أو تعود عبداً.). [6] .

ومنشاء هذا الوهم من تصوّر أنّ هذا الكتاب هو الكتاب الاوّل الذی كتبه یزید إلی ابن زیاد، أی كتابه الذی أمره فیه بالتوجّه سریعاً من البصرة إلی الكوفة، والامر لیس كذلك، إذ إنّ هذا الاخیر هو كتاب آخر غیر الاوّل، بدلیل عبارة (وهو والیه علی العراق)، أی كان یومذاك والیاً علی الكوفة والبصرة معاً قبل هذا الكتاب، لانّ


الولایة علی العراق لاتُطلق علی الولایة علی البصرة فقط، وقد روی الیعقوبی أیضاً نفس نصّ نفس هذا الكتاب بعبارة واضحة كاشفة بصورة أفضل عن أنّ هذا الكتاب غیر الكتاب الاوّل، یقول الیعقوبی: (وأقبل الحسین من مكّة یرید العراق، وكان یزید قد ولّی عبیداللّه بن زیاد العراق، وكتب إلیه: قد بلغنی أنّ أهل الكوفة قد كتبوا إلی الحسین فی القدوم علیهم، وأنّه قد خرج من مكّة متوجّهاً نحوهم، وقد بُلی به بلدك من بین البلدان، وأیّامك من بین الایّام، فإنْ قتلته وإلاّ رجعت إلی نسبك وإلی أبیك عُبید، فاحذر أن یفوتك!)، [7] وواضح من هذا النصّ أنّ ابن زیاد كان قد صار والیاً علی الكوفة والبصرة معاً قبل خروج الامام علیه السلام من مكّة، وأنّ یزید كتب إلی ابن زیاد هذا الكتاب بعدما ولاّه الكوفة أیضاً، لاأنّ هذا الكتاب كان كتاب التولیة، فتأمّل!.



[1] تأريخ الطبري، 3: 280.

[2] لقد روي الشيخ المفيد(ره) نفس هذه الرواية، وليس فيها هذه العبارة، بل فيها: (ما رأيك؟ إنّ حسيناً أنفذ إلي الكوفة مسلم بن عقيل يبايع له..)، (راجع: الارشاد: 206).

[3] (عوانة بن الحكم بن عوانة بن عيّاض الاخباري المشهور الكوفي، يقال كان أبوه عبداً خيّاطاً وأمّه أمةً، وهو كثير الرواية عن التابعين، قلّ أن روي حديثاً مسنداً، وقد روي عن عبداللّه بن المعتز عن الحسين بن عليل العنزي، عن عوانة بن الحكم أنّه كان عثمانياً، فكان يضع الاخبار لبني أميّة، مات سنة 158 ه‍) (لسان الميزان، 4: 449 / دار الكتب العلمية، بيروت).

[4] راجع: تأريخ الطبري: 3:275.

[5] تأريخ الطبري، 3:293.

[6] العقد الفريد، 5: 130، وانظر: مثير الاحزان، 40-41؛ وأنساب الاشراف، 3:371.

[7] تأريخ اليعقوبي، 2:155.