کد مطلب:167915 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:231

اشارة
لم یكن النعمان بن بشیر محبّاً لاهل البیت علیه السلام ولاذامیلٍ إلیهم، [1] لقد كان له ولابیه تأریخ أسود طویل فی نصرة حركة النفاق بعد رحلة النبی (ص)، تامّاً وكان النعمان عثمانیَّ الهوی، یجاهر ببغض علیّعلیه السلام، ویسیء القول فیه، وقد حاربه یوم الجمل وصفّین، وكان یتبنّی سیاسة معاویة فی قیادة حركة النفاق تبنیّاً تامّاً، (وكان من معالم هذه السیاسة أنّ معاویة كان یتحاشی المواجهة العلنیة مع الامام الحسین علیه السلام، وأنَّ معاویة لو اضطُرَّ إلی مواجهة علنیة أی إلی قتال ضدّ الامام الحسین علیه السلام وظفر بالامام علیه السلام لعفا عنه، ولیس ذلك حبّاً للامام علیه السلام وإنّما لانّ معاویة وهو من دهاة السیاسة النكراء والشیطنة یعلمُ أنَّ إراقة دم الامام علیه السلام علناً وهو بتلك القدسیّة البالغة فی قلوب الامّة كفیل بأن یفصل الامویّة عن الاسلام، ویذهب بجهود حركة النفاق عامة والحزب الامویّ خاصة أدراج الریاح، خصوصاً الجهود التی بذلها معاویة فی مزج الامویّة بالاسلام فی عقل الامّة وعاطفتها مزجاً لم یعد أكثر هذه الامّة بعدها یعرف إلاّ (الاسلام الاموی)، حتی صار من غیر الممكن بعد ذلك الفصل بین الاسلام والامویّة إلاّ إذا أُریق ذلك الدم


المقدّس دم الامام علیه السلام علی مذبح القیام ضدّ الحكم الاموی.). [2] .

من هنا كان أسلوب النعمان بن بشیر فی معالجته لمستجدّات الامور فی الكوفة بعد ورود مسلم علیه السلام یتّسم باللین والتسامح، لانّه كان یری إیماناً بنظرة معاویة أنّ المواجهة العلنیة مع الامام الحسین علیه السلام لیست فی صالح الحكم الاموی.

فلم یكن النعمان ضعیفاً، أو (حلیماً ناسكاً یحبّ العافیة) كما صوّرته روایة الطبری، [3] أو (یحبّ العافیة ویغتنم السلامة) كما صوّرته روایة الدینوری، [4] بل كان یتضعّف مكراً وحیلة، معوّلاً علی الاسلوب السریّ والخدعة الخفیة للقضاء علی الثورة والتخلص من مسلم بن عقیل علیه السلام، بل التخلّص حتّی من الامام علیه السلام، فهو أی النعمان بن بشیر شیطان یحذو حذو معاویة كبیرهم الذی علّمهم الشیطنة فی رسم الخطط الماكرة.

لكنّ تسارع حركة الاحداث فی الكوفة یومذاك، والتحوّلات الكبیرة فی ظاهر حیاتها السیاسیة، أفزعا الامویین وعملاءهم وجواسیسهم من تجاوب الرأی العام فی الكوفة مع مسلم بن عقیل علیه السلام، ورأوا أنّ زمام الامور سیكون بید الثوّار تماماً إن لم تبادر السلطة الامویة المحلیّة فی الكوفة إلی اتخاذ التدابیر اللازمة الكفیلة


بإعادة الوضع الكوفی إلی سابق استقراره النسبی، ورأوا أنّ سیاسة اللین والتسامح التی كان یمارسها (بتضعّفه) النعمان بن بشیر سوف تؤدی إلی سقوط الكوفة فعلاً بید مسلم بن عقیل علیه السلام، وكان رأیهم أنْ لاخلاص من هذا المأزق إلاّ بعزل النعمان ومجیء والٍ جدید ظلوم غشوم، وبهذا بادروا إلی كتابة تقاریرهم السرّیة بهذا النظر ورفعوها إلی یزید فی الشام.


[1] قال ابن قتيبة الدينوري: (فبعث الحسين بن علي مسلم بن عقيل الي الكوفة يبايعهم له، وكان علي الكوفة النعمان بن بشير، فقال النعمان: لابن بنت رسول اللّه صلّي اللّه عليه وسلّم أحبُّ إلينا من ابن بجدل يعني يزيد فبلغ ذلك يزيد، فأراد أن يعزله..) (الامامة والسياسة، 2:4)، ومع تفرّد ابن قتيبة بهذا النقل، فإنّ هذا القول يمكن أن يُحمل علي الحزازة التي كانت في صدر النعمان علي يزيد، لانّ هذا الاخير كان يستخفّ بالانصار، ويحرّض الشعراء (الاخطل) علي هجائهم، لاأنّ النعمان كان محبّاً للامام الحسين عليه السلام.

[2] الجزء الثاني من هذه الدراسة: ص 128؛ وقد كشف النعمان عن معرفته بموقف معاوية من قتل الامام الحسين عليه السلام في محاورته مع يزيد، حينما استدعاه يزيد إلي القصر بعد مقتل الامام عليه السلام وبعد نصب الرأس المقدّس بدمشق، فلمّا جاءه سأله يزيد قائلاً: كيف رأ يت ما فعل عبيداللّه بن زياد؟ قال النعمان: الحرب دول. فقال يزيد: الحمدُ للّه الذي قتله! قال النعمان: قد كان أميرالمؤمنين يعني به معاوية يكره قتله! (راجع: مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي، 2:59 60).

[3] راجع: تأريخ الطبري، 3:279.

[4] راجع: الاخبار الطوال: 231.