کد مطلب:167929 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:199

اشارة
قد یأسف المتتبّع بادیء ذی بدء للسهولة التی تمّت بها عملیة اختراق حركة مسلم بن عقیل علیه السلام من داخلها علی ید الجاسوس معقل مولی عبیداللّه بن زیاد،


من طریق مسلم بن عوسجة الاسدیّ (رض)، وهو علم من أعلام الشیعة فی الكوفة، وأحد شهداء الطفّ، وهو الشریف السَرِیُّ فی قومه، [1] والفارس الشجاع الذی له ذكر فی المغازی والفتوح الاسلامیة، وقد شهد له الاعداء بشجاعته وخبرته وبصیرته وإقدامه. [2] .

وفی ظنّ المتتبع أنّ علی مسلم بن عوسجة (رض) أن یحذر أكثر ویحتاط حتّی یطمئنّ تماماً إلی حقیقة هویّة معقل الجاسوس قبل أن یدلّه علی مكان مسلم بن عقیل علیه السلام أو یستأذن له فی الدخول علیه! لیخترق بذلك الحركة من داخلها!

لكنّ ما وقع فعلاً هو أنّ ابن عوسجة (رض) لم یكن قد قصّر فی حذره وحیطته، غیر أنّ معقلاً كان فعلاً (ماهراً فی صناعته وخبیراً فیما انتُدب إلیه) [3] لاختراق حركة مسلم علیه السلام من داخلها.

أمّا سهولة تعرّفه علی ابن عوسجة (رض) فلاتحتاج الی كثیر جهد ومشقّة إذا كان (رض) وجهاً شیعیاً معروفاً فی الكوفة، وقد كشف له معقل عن سرّ سهولة تعرّفه علیه حین قال له: (سمعت نفراً یقولون: هذا رجلٌ له علم بأهل هذا البیت، فأتیتك لتقبض هذا المال وتدلّنی علی صاحبك فأبایعه، وإنْ شئتَ أخذتَ البیعة


له قبل لقائه!)، [4] ولقد عبّر له ابن عوسجة (رض) عن استیائه لسرعة تعرّفه علیه بقوله: (.. ولقد سائتنی معرفتك إیّای بهذا الامر من قبل أن ینمی مخافة هذا الطاغیة وسطوته..). [5] .

ثمّ إن ابن عوسجة (رض) أخّر معقلاً أیّاماً قبل أن یطلب الاذن له، وكان یجتمع معه فی منزله هو تلك الایّام (إختلفْ إلیَّ أیّاماً فی منزلی فإنی طالب لك الاذن علی صاحبك..)، [6] ثمّ لم یدخله علی مسلم بن عقیل علیه السلام حت ی طلب له الاذن فأُذن له، ولاشك أنّ أخذ الاُذن یتمّ بعد شرح ظاهر الحال الذی تظاهر به معقل، ومن الدلائل علی مهارة ابن زیاد ومعقل فی فنّ التجسس أنّ ابن زیاد أوصی معقلاً أن یتظاهر بأنّه رجل من أهل الشام ومن أهل حمص بالذات، [7] ذلك حتّی لایكون بإمكان مسلم بن عوسجة أن یسأل ویستفسر عن حقیقة حاله فی قبائل الكوفة، كما أنّ أهل حمص آنذاك علی ما یبدو قد عُرف عنهم حبّهم لاهل البیت (ع)، أو عُرف أنّ فیهم من یحبّ أهل البیت علیه السلام، فیكون ذلك مدعاة لاطمئنان من یتخذه معقل منفذاً لاختراق حركة مسلم علیه السلام من داخلها، كما أنّ معقلاً قد ادّعی أمام ابن عوسجة (رض) أنه مولیً لذی الكلاع الحمیری هناك فی الشام، والمعروف عن جلّ الموالی حبّهم لاهل البیت (ع)!

الخلاصة أنّ معقلاً كان قد أحكم خطّته واتقن تمثیل دوره المرسوم وبرع فی


ذلك، لكنّ فی حضوره یومیاً عند مسلم بن عقیل علیه السلام، ودخوله علیه فی أوّل الناس، وخروجه عنه آخرهم، فیكون نهاره كلّه عنده، ما یدعو إلی الریبة والشك فیه، فلماذا لم یرتب ولم یشكّ فیه مسلم علیه السلام وأصحابه!؟ إنّ فی هذا ما یدعو إلی الاستغراب والحیرة فعلاً!

لكننا حیث لانملك معرفة تفاصیل جریان حركة أحداث تلك الایّام بشكلٍ كافٍ، وحیث لم یأتنا التأریخ إلاّ بنزرٍ قلیل منها لاینفعنا إلاّ فی رسم صورة عامة عن مجری حركة تلك الاحداث، وحیث نعلم أنّ مسلم بن عقیل علیه السلام ومسلم بن عوسجة (رض) وأصحابهما هم من أهل الخبرة الاجتماعیة والسیاسیة والعسكریة، فلایسعنا أن نتعرض باللوم علیهم أو أن نتهمهم بالسذاجة! بل علینا أن نتأدّب بین یدی تلك الشخصیات الاسلامیة الفذّة، وأن ننزّه ساحاتهم المقدّسة عن كلّ مالایلیق بها، وأن نقف عند حدود معرفتنا التأریخیة القاصرة لانتعدّاها إلی استنتاجات واتهامات غیر صائبة ولالائقة، خصوصاً إذا تذكّرنا حقیقة أنَّ عملیات الاختراق من الداخل من خلال دسّ الجواسیس المتظاهرین بغیر حقیقتهم كانت أمراً مألوفاً منذ قدیم الایام ولم تزل حتّی یومنا الحاضر وتبقی إلی ما شاء اللّه، وشذّ وندر أن یجد الانسان حركة سیاسیة تغییریة تعمل لقلب الاوضاع سلمت من الاختراق من داخلها من قبل أعدائها، بل قد لایجد الانسان حركة سیاسیة تغییریة غیر مخترقة، وهذ لایعنی أنّ قیادتها ساذجة ولاتتمتع بالحكمة!


[1] راجع: إبصار العين: 107.

[2] لمّا قُتل مسلم بن عوسجة (رض) في كربلاء صاحت جارية له: (واسيّداه يا ابن عوسجتاه! فتباشر أصحاب عمر بذلك، فقال لهم شبث بن ربعي: ثكلتكم أمّهاتكم! إنمّا تقتلون أنفسكم بأيديكم، وتذلّون أنفسكم لغيركم، أتفرحون أن يُقتل مثل مسلم بن عوسجة!؟ أما والذي أسلمتُ له، لرُبَّ موقف له قد رأيته في المسلمين كريم، لقد رأيته يوم سَلَق آذربيجان قتل ستّة من المشركين قبل أن تتامّ خيول المسلمين، أفيقُتل منكم مثله وتفرحون!؟) (تاريخ الطبري، 3: 325؛ والكامل في التاريخ،3:290).

[3] حياة الامام الحسين بن عليّ، 2:329.

[4] إبصار العين: 108-109؛ وانظر: الارشاد: 189؛ وتأريخ الطبري، 3:282.

[5] إبصار العين: 108-109؛ وانظر: الارشاد: 189؛ وتأريخ الطبري، 3:282.

[6] راجع: الارشاد: 189.

[7] قال ابن نما(ره): (ثمّ إنّ عبيداللّه بن زياد حيث خفي عليه حديث مسلم دعا مولي له يقال له معقل، فأعطاه أربعة آلاف درهم.. وأمره بحسن التوصّل إلي من يتولّي البيعة وقال: أعلمه أنّك من أهل حمص جئت لهذا الامر، فلم يزل يتلطّف حتي وصل الي مسلم بن عوسجة الاسدي..) (مثير الاحزان: 32).