کد مطلب:168032 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:133

اشارة
فی عُذیب الهجانات كان مجمع بن عبداللّه العائذی (رض) قد أخبر الامام علیه السلام عن حال أهل الكوفة عن لسانه ولسان من معه قائلاً: (أما أشراف الناس فقد أُعظمتْ رشوتهم ومُلئت غرائرهم، یُستمال ودّهم ویستخلص ‍ به


نصیحتهم، فهم ألبٌ واحد علیك! وأمّا سائر النّاس بعدُ فإنَّ أفئدتهم تهوی إلیك، وسیوفهم غداً مشهورة علیك!.).

ومن قبل هذا كان الفرزدق وبشر بن غالب وغیرهم قد أخبروا الامام علیه السلام بذلك! ثمّ ها هو الطرماح یقول له: (وقد رأیتُ قبل خروجی من الكوفة إلیك بیومٍ ظهرَ الكوفة وفیه من الناس مالم تَرَ عینای فی صعید واحدٍ جمعاً أكثر منه! فسألتُ عنهم فقیل: اجتمعوا لیُعرضوا ثمَّ یُسرَّحون إلی الحسین!) فالانباء تتابعت علی الامام علیه السلام بذلك، وفی عذیب الهجانات لم یعد ثمّة شكّ فی أنّ الكوفة قد انقلبت علی عهدها مع الامام علیه السلام رأساً علی عقب، بل وقد عبّاءها ابن زیاد عن بكرة أبیها واستعرض عساكرها لیسرّح بهم الی الحسین علیه السلام!

لكننا نجد الامام علیه السلام یُصرُّ علی التوجّه إلی أهل الكوفة قائلاً: (إنّه قد كان بیننا وبین هؤلاء القوم قولٌ لسنا نقدر معه علی الانصراف!..)، وعلی روایة ابن نما (ره): (إنّ بینی وبین القوم موعداً أكره أنْ أُخلفهم، فإنْ یدفع اللّه عنّا فقدیماً ما أنعم علینا وكفی، وإنْ یكن ما لابدّ منه ففوز وشهادة إنْ شاء اللّه!). [1] .

هنا نعود لنكرّر القول ونؤكد علی هذه الحقیقة مرّة أخری: وهی أنّ من الصحیح القول إنّ الامام علیه السلام لم یشاء أن یدع لاهل الكوفة أیّة مؤاخذة علیه یمكن أن یتذّرعوا بها لو أنّه كان قد انصرف عن التوجّه إلیهم أثناء الطریق، لانّهم یمكن أنّ یدّعوا أنّ الاخبار التی بلغت الامام علیه السلام عن حال الكوفة لم تكن صحیحة أو دقیقة!وأنّ أنصاراً له كثیرین فیها كانوا ینتظرونه فی خفاء عن رصد السلطة! ولذا كان علیه السلام قد قال للطرّماح: (بیننا وبین هؤلاء القوم قولٌ لسنا نقدر معه علی الانصراف!). أو (إنّ بینی وبین القوم موعداً أكره أخلفهم!).


لكنّ أصحَّ القول: هو أنّ الامام علیه السلام كان یعلم بما لابدّ من وقوعه (وإنْ یكن ما لابدَّ منه ففوز وشهادة إنْ شاء اللّه!)، لقد كان علیه السلام یعلمُ منذ البدء أنه سوف یُقتل حتی لوكان فی جُحر هامة من هوامّ الارض، وكان علیه السلام یعلم أنّ أهل الكوفة قاتلوه (هذه رسائل أهل الكوفة إلیَّ ولاأراهم إلاّ قاتلیّ!)، إذن فإصراره علیه السلام علی العراق دون غیره هو إصرار علی الارض المختارة للمصرع المحتوم! الارض التی ستهبُّ منها بعد مقتله عواصف التغییر والتحولات الكبری التی لاتهداء حتی تسقط دولة الامویین! الارض التی ستمتدّ منها وتتسع جمیع آفاق الفتح الحسینی!


[1] مثير الأحزان: 40.