کد مطلب:168034 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:138

اشارة
فی لقاء الامام علیه السلام مع عبیداللّه بن الحرّ الجعفی تتجلی بشكل مفجع آثار مرض الوهن (حبّ الدنیا وكراهیة الموت!) والشلل النفسی الذی تفشّی بدرجة واسعة وعمیقة وخطیرة فی هذه الامّة، بعد ارتحال رسول اللّه (ص) نتیجة المنعطفات الانحرافیة التی مرّت بها الاُمّة، بفعل حركة النفاق طیلة خمسین سنة! ها هو ابن الحرّ الجعفی یعترف قائلاً: (واللّه إنّی لاعلم أنّ من شایعك كان السعید فی الاخرة!)، وهو یعلم بحكم العقل والشرع أنّ درجة وجوب نصرة الامام علیه السلام علی كلّ مسلمٍ تشتدّ كلّما اشتدّت حاجة الامام علیه السلام إلی من ینصره! لكنّه یجیب الامام علیه السلام بمنطق الوهن المتمثل بحبّ الدنیا وكراهیة الموت والتثاقل إلی الارض قائلاً: (ولكن ما عسی أن أُغنی عنك!؟ ولم أُخلّف لك بالكوفة ناصراً! فأُنشدك اللّه أن تحملنی علی هذه الخطة! فإنّ نفسی لم تسمح بالموت!..).

ونری الامام علیه السلام الذی دعاه إلی التوبة وإلی الالتحاق بركب الربّانیین یردُّ علیه بعد أن أظهر الجعفی تثاقله الی الارض وتشبّثه بالحیاة الدنیا قائلاً:

(أمّا إذا رغبتَ بنفسك عنّا فلاحاجة لنا إلی فرسك!) أو (یا ابن الحرّ! ما جئناك لفرسك وسیفك، إنّما أتیناك لنسألك النصرة! فإنْ كنت بخلت علینا بنفسك فلاحاجة لنا فی شیء من مالك، ولم أكن بالذی اتخذ المضلّین عضداً!).

نعم، فالقائد الربّانی لیست حاجته الاساس إلی وسائل وأسلحة وأموال، وإن كان ذلك من العدّة، بل حاجته الاساس ‍ إلی الانسان الربّانی، المشتاق إلی لقاء ربّه، المبادر إلی طاعته، المخفّ إلی مرضاته، المسارع إلی نصرة أولیائه، المؤثر آخرته علی دنیاه.. ذلك لانّ أفضل العدّة وأقوی الاسلحة علی مرّ الزمان هو الانسان الربّانی الذی یُجری اللّه علی یدیه الانتصارات المعنویة الكبیرة والفتوحات الالهیة المبینة!

ونری أیضاً خلیفة اللّه فی عصره، وولیّه الاعظم، الامام الحسین علیه السلام یعامل هذا الواهن المشلول روحیاً عبیداللّه بن الحرّ الجعفی الذی خرج من الكوفة حتی لاینصر الحسین علیه السلام ولایكون ضدّه! برحمته العامة ورأفته! فیحذّره من أن یكون ممّن یسمع واعیة أهل البیت فلاینصرهم فیكبّه اللّه علی وجهه فی النار!


ما أخسرَ صفقة الجعفی هذا! وما أحراه بالحسرة العظمی! [1] علی ما فرّط فی حظّ نفسه، وفی الفرصة النادرة التی كانت قد أُتیحت له للالتحاق بركب الربانییّن العشاق الشهداء الذین لم یسبقهم سابق ولایلحق بهم لاحق!


[1] روي الطبري، عن عبد الرحمن بن جندب الأزدي: أن عبيد الله بن زياد بعد قتل الحسين تفقد أشراف أهل الكوفة فلم ير عبيد الله بن الحر، ثم جاءه بعد أيام حتي دخل عليه، فقال: أين كنت يا ابن الحر!؟ قال: كنت مريضا! قال: مريض القلب أو مريض البدن!؟ قال: أما قلبي فلم يمرض! و أما بدني فقد من الله علي بالعافية! فقال له ابن زياد: كذبت، و لكنك كنت مع عدونا! قال: لو كنت مع عدوك لرئي مكاني، و ما كان مثل مكاني يخفي! قال و غفل عنه ابن زياد غفلة، فخرج ابن الحر فقعد علي فرسه، فقال ابن زياد: أين ابن الحر!؟ قالوا: خرج الساعة! قال: علي به!، فأحضرت الشرط فقالوا له: أحب الأمير!

فدفع فرسه ثم قال: أبلغوه أني لاآتيه و الله طائعا أبدا! ثم خرج حتي أتي منزل أحمر بن زيد الطائي، فاجتمع إليه في منزله أصحابه، ثم خرج حتي أتي كربلاء! فنظر إلي مصارع القوم، فاستغفر لهم هو و أصحابه، ثم مضي حتي نزل المدائن و قال في ذلكك



يقول أمير غادر و ابن غادر

ألاكنت قاتلت الشهيد ابن فاطمه



فيا ندمي أن لاأكون نصرته

ألاكل نفس لاتسدد نادمه



و إني لأني لم أكن من حماته

لذو حسرة ما إن تفارق لازمه



إلي آخر القصيدة...".(تاريخ الطبري، 3:343).

و هناك ترجمة مفصلة لعبيد الله بن الحر الجعفي، أوردها المرحوم المحدث الشيخ عباس القمي في (نفس المهموم: 195-202) فراجعها.