کد مطلب:168086 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:209

تأمل
إنّ غیر المعصوم فی أخذه وتلقّیه عن النبیّ الاكرم محمّد وآله الطیبین الطاهرین (ع) كما فی أخذه عن القرآن الكریم إنّما یأخذ علی قدر وعائه وأداته، ولایمكنه مع قصوره أن یدّعی أنّ ما فهمه من القرآن أو من المعصوم (ع) هو كلّ ما أراد المعصوم (ع) أو هو كلّ المراد القرآنیّ.

وهذه الرسالة التی كتبها الامام الحسین (ع) من كربلاء الی أخیه محمّد بن الحنفیّة (رض)، وهی آخر ما كتبه الامام (ع) من الرسائل، ولعلّها أقصر رسائله (ع) متناً، مثیرة للعجب وداعیة إلی التأمّل!

ما هو المعنی الذی أراد الامام الشهید الفاتح (ع) أن یوصله خلال هذه الرسالة من أرض المصرع المختار إلی أخیه محمّد بن الحنفیّة (رض) وإلی بنی هاشم، وإلی الاجیال كافّة؟

لكلّ مغترف أن یغترف علی قدر وعائه! ونحن علی قدر وعائنا نقول: ربّما أراد الامام (ع) فی قوله: (فكأن الدنیا لم تكن،وكأنّ الاخرة لم تزل) نفس المعنی الذی أراده (ع) فی قوله لانصاره لیلة عاشوراء: (واعلموا أنّ الدنیا حلُوها ومُرّها حُلُم!


والانتباه فی الاخرة، والفائز من فاز فیها، والشقیّ من شقیفیها!..)، [1] ذلك لانّ الانسان ابن الایّام الثلاثة: یوم ولدته أمّه، ویوم یخرج من هذه الدنیا، ویوم یقوم للحساب! وهذه الایّام الثلاثة الكبری هی التی ورد السلام فیها من اللّه تبارك وتعالی علی یحیی (ع)، فی قوله تعالی: (وسلام علیه یوم ولد، ویوم یموت، ویوم یُبعث حیّا)، [2] وفی قوله تعالی عن لسان عیسی (ع): (والسلام علیَّ یوم ولدت، ویوم أموت، ویوم أُبعث حیّا). [3] .

وإذا تأمّل كلّ إنسان فی الماضی من عمره طویلاً كان أم قصیراً، فكأنّما یتأمّل فی رؤیا منام رآها البارحة! والاتی من العمر بعد مروره كما الماضیّ، حلمٌ أیضاً!

فالدنیا وهی عمر الانسان بكلّ تفصیلاته الحلوة والمرّة حلُمٌ فی الختام! فكأنّ الدنیا لم تكن!

فالعاقل السعید من أخذ من هذه الدنیا كما یأخذ المارّ من ممّره لمقرّه،والعاقل السعید من لم یتعلّق قلبه بهذه الدار الزائلة، ولم یقع فی شباكها، وكان من المخفّین فیها، لیكون فراقها علیه سهلاً یسیراً هیّناً، فعن الامام الصادق (ع): (من كثر إشتباكه بالدنیا كان أشدَّ لحسرته عند فراقها). [4] .

وإذا كانت هذه هی حقیقة الدنیا! وكان لابدّ من فراقها، فلیكن الختام أفضل الختام! ولتكن النهایة أشرف نهایة،وأفضل الموت القتل فی سبیل اللّه! فلیكن


الختام إذن قتلاً فی سبیل اللّه! وهذا هو البِرُّ الذی لیس فوقه بِرُّ! وفی ذلك فلیتنافس المتنافسون! ولهذا فلیعمل العاملون!

وأقوی الظنّ أنّ هذا المعنی الذی أراد أن یوصله الامام (ع) فی رسالته هذه التی كتبها من كربلاء أرض المصرع المختار وبقعة الفتح إلی محمد بن الحنفیة وبقیة بنی هاشم فی المدینة المنوّرة وإلی كافّة الاجیال إلی قیام الساعة متمّم ومكمّل لمعنی رسالته القصیرة الاولی التی بعثها(ع) إلیهم من مكّة المكرّمة والتی جاء فیها: (بسم اللّه الرحمن الرحیم. من الحسین بن علیّ إلی محمّد بن علیّ ومن قِبَله من بنی هاشم: أمّا بعدُ، فإنّ من لحق بی استُشهد! ومن لم یلحق بی لم یُدرك الفتح! والسلام.). [5] فتأمّل!


[1] التفسير المنسوب للامام الحسن العسكري (ع): 218، وعنه البحار: 11:149.

[2] سورة مريم 3: الايتان: 15 و 33؛ ومع أنّ الايام الكبري من عمر الانسان هي ثلاثة أ يّام، إلاّ أنّ القرآن الحكيم يقرّر أنّ (ويوم يبعث حياً) هو (ذلك اليوم الحقّ فمن شاء اتخذ إلي ربّه مآبا) (سورة النباء، الاية 39).

[3] سورة مريم 3: الايتان: 15 و 33؛ ومع أنّ الايام الكبري من عمر الانسان هي ثلاثة أ يّام، إلاّ أنّ القرآن الحكيم يقرّر أنّ (ويوم يبعث حياً) هو (ذلك اليوم الحقّ فمن شاء اتخذ إلي ربّه مآبا) (سورة النباء، الاية 39).

[4] سفينة البحار: مادة (دني).

[5] كامل الزيارات: 76، باب 23، رقم 15.