کد مطلب:18081 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:301

المقدمة
الحمد للّه ربّ العالمین، و سلامه علی عباده المصطفین محمد و آله المیامین.

و بعد: أكّدت الشریعة علی الوصیة باعتبارها حاجة ماسّة من حاجات الإنسان و المجتمع، و تنطوی علی أهمیة خاصة، تتمثّل فی سلامة تصرفات الوصی بعد وفاة الموصی بعیداً عن إثارة المشاكل و النزاعات التی قد تنشأ داخل محیط الأسرة أو القبیلة أو المجتمع نتیجة التسابق فی الاستیلاء علی المواریث و الحقوق.

و تسهم الوصیة فی نقل خبرات و تجارب السلف الیالخلف، و تساعد علی دیمومة العلاقات الشخصیة و الأسریة و الاجتماعیة.

و لم تكن الوصیة أمراً مستحدثاً من قبل المشرّع الإسلامی، إذ مارسها الإنسان علی وفق اُسلوبه الخاص فی جمیع العصور، سواء أكان قریباً من التشریع أو بعیداً عنه، مؤمناً بالدین أو غیر مؤمنٍ به، و ذلك لارتباطها بالفطرة الإنسانیة و سیرة العقلاء التی تنزع الیوصیة الآباء للأبناء، و الماضین للتالین، و الكبار للصغار، و الراحلین للمقیمین...

و قد جرت العادة أن الإنسان إذا شعر بدنو أجله أو أراد سفراً، فإنه یعهد لمن یخلفه فی تولی شؤون من یخلفهم، و إذا أراد رئیس قبیلة أو جماعة السفر فإنه یستخلف من ینوبه حتی یعود.

و فی تاریخ النبوات منذ أبینا آدم علیه السلام إلی نبینا الخاتم صلَّی الله علیه و آله لم نجد أحداً من الأنبیاء (صلوات اللّه علیهم) تخلف عن العهد لم یلیه فی الخلافة علی اُمته؛ لیكون حجةً للّه علی العباد، و وریثاً للنبوة، وحافظاً لرسالتها و هكذا فعل النبی صلَّی الله علیه و آله فی وصیته لعلی علیه السلام.

و علی ضوء المهمة الخطیرة الملقاة علی عاتق الوصی فی قیادة الأمة و دیمومة حركة الرسالة، لابدّ أن یكون نسخةً ناطقة من النبی فی علمه و منزلته و كلّ ما یحمله



[ صفحه 10]



من مقومات تمیّزة عن سائر أفراد الأمة، و تؤهّله لمثل هذا المنصب الخطیر، فاختیار الوصی لابدّ أن یكون علی ضوء الاصطفاء الإهلی كما هو الحال فی النبوة، و أن یقترن ذلك بالعنایة النبویة و المؤهلات الذاتیة كالعصمة و السابقة و الفضل و غیرها.

و هكذا كان شأن نبینا المصطفی صلَّی الله علیه و آله فی تعیینه لوصیه علی بن أبی طالب علیه السلام منذ تباشیر الدعوة الإسلامیة فی یوم الدار و حدیث الانذار، عند نزول قوله تعالی: (وَ أَنْذِرْ عَشِیرَتَكَ أَلْأَقْرَبِینَ) [1] ثمّ لأجل تأصیل هذا المبدأ العقائدی فی وجدان الأمة و حركتها، بادر إلی التصریح بالنص علی القائد الرسالی بعده فی مناسبات عدیدة، كان آخرها فی مرض موته صلَّی الله علیه و آله حینما أراد أن یثبت ذلك بكتابٍ لا تضلّ الأمة بعده أبداً، فوقع النزاع و كثر اللغط و أخیراً مُنع الكتاب.

و منذ ذلك الحین تنكر من تنكر لوصیة النبی صلَّی الله علیه و آله، و لم یدّخر الحاكمون وسعاً فی تجنید كل القوی لأجل طمس مفهوم الوصیة و كتمانه، حتی توارث ذلك أجیال من الناس تعرّض فیها ذلك المفهوم للتحریف و التغییر و الحذف و الإسقاط، و مع هذا فقد بقی الكثیر الدال علی ان الوصیة لعلی علیه السلام تشمل الخلافة و المرجعیة الفكریة و السیاسیة علی حدٍّ سواء.

و بالنظر لما یترتب علی هذا الموضوع من آثار عقائدیة تتجاوز اُطر الزمان و المكان فقد سلطنا الضوء علیه بحوث عدّة ضمن أربعة فصول: تناولنا فی الفصل الأول معنی الوصیة و بیان أركانها و أقسامها و تشریعها فی الفكر الدینی إسلاماً كان أو غیره. و خصصنا الثانی للأحادیث و الآثار و المدونات النقلیة بالوصیة مع التأكید علی خصیصة الاصطفاء فی شخص الولی، و بیان شبیهه من الأوصیاء السابقین علیهم السلام. و جاء الفصل الثالث بما اخترناه من أشعار الصحابة فی الوصیة، ّوبیّنا فی الفصل الرابع موقف الأُمّة من الوصیة متمثلة فی فصائلها المختلفة، مع الاشارة إلی الأسالیب المتبعة فی إنكار الوصیة و كتمانها و الشبهات المثارة حولها.



[ صفحه 11]




[1] سورة الشعراء: 26 / 214.