کد مطلب:282994 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:263

المقدمة
بسـم الله الرحمن الرحیم

والصلاة والسلام علی نبیّـنا محمّـد، وعلی آله الطیّبین، وصحبه المخلَصین ومن اتّبعهم بإحسان إلی یوم الدین.

وبعـد:

فإنّ من دواعی كتابة هذا البحث هو التطاول علی الحقائق الاِسلامیة الثابتة ببعض الكتیّـبات النقدیة فی الحدیث الشریف، لاَسماء نكرة طفحت علی الساحة الثقافیة فجأة، مع خلوّها من أبسط المعاییر العلمیة لنقد الحدیث، إذ لم تتّصف بشیء منها البتّة، حتّی عادت تلك الكتیّـبات عقبة كَـأْداء من عقبات التواصل الوحدوی علی صعید المجتمع المسلم، بل وأشبه ما تكون بمحاولة جادّة للقضاء علی أیّ وسیلة من شأنها أنْ تقرِّب بین وجهات نظر المسلمین، وتلمّ شعثهم، وترأب صدعهم!

وذلك لابتذال المعاییر العلمیة فی النقد ابتذالاً واضحاً خصوصاً عند من



[ صفحه 2]



یمثّل ثقافة تلقینیة أصابها الیأس والاِحباط المستمرّ، مع افتقاره التامّ إلی معرفة الاَُسـس والقواعد العلمیة النقدیة الثابتة ـ خصوصاً فی علم الحدیث الشریف ـ التی تؤطّر كلّ دراسة حدیثیة نقدیة بشروط القبـول.

ولا عذر لمثل هذا، إذ لم تعد مسألة نقد الحدیث، مسألة نسـبیة تختلف باختلاف الناس وتباین ثقافاتهم.

ومن ثَـمَّ فإنّ السُـنّة المطهّرة نفسها قد أرست بعض القواعد النقدیة العامة، والتی یمكن توظیفها لمواجهة الخطأ.

فالنبیّ الاَعظم صلی الله علیه وآله وسلم علّمنا مكارم الاَخلاق، وهو ـ بأبی وأُمّی ـ لم یكن فظّـاً غلیظ القلب، وإلاّ لانفضّوا من حوله، وإنّما كان فی مواجهته للفكر الجاهلی المتعسّف علی خُلُق عظیم بشهادة السماء.

والاَُمّة التی استطاعت أن تواجه الخطأ بهدی سیرته صلی الله علیه وآله وسلم حتّی استطاعت ـ وبمدّة وجیزة ـ أن تقیم صرح حضارة امتدّت جذورها إلی أقصی الاَرض، لَقادرة علی هذا أیضاً.

والذی یحزّ فی النفس ألماً، أنّ أُمّتنا قد فقدت المواجهة الصحیحة للخطأ، وعادت رویداً رویداً إلی جاهلیةٍ من نوع آخر، فیها من روح الابتعاد عن القرآن الكریم والسُـنّة المطهّرة الشیء الكثیر، فما أحوجنا الیوم إلی حوار صادق، ونقد بنّاء، ورجوع حثیث إلی الكتاب والسُـنّة!

كما أنّنا بحاجة ماسّة إلی معرفة تراثنا الحدیثی، لا فرق فی ذلك بین كتب الحدیث السُـنّیة أو الشیعیة، فهی كلّها فی نظر غیر المسلم من تراث الاِسلام؛ وإلی كیفیة تنمیة المهارات العلمیة والقدرات الكفوءة وتوظیفها لخدمة هذا التراث وبنقدٍ یجید صاحبه التعامل مع الآخرین من منطلق واع یهدف إلی تحقّق غرض النقد وأهدافه، مع التحلّی بأدب الاِسلام، ونبذ التصوّرات الخاطئة، وتجنّب إساءة الظنّ وفكرة سحق الآخر!



[ صفحه 3]



كلّ هذا مع إدراك أنّ التغییر المطلوب نحو الاَفضل لا یمكن الوصول إلیه بنقدٍ ظالم متعسّف، یُرام من خلاله إیقاع الهزیمة بطرف من الاَطراف والانتصار لطرف آخر!

فنقدٌ كهذا لا شكّ أنّه لا یصدر إلاّ عن نقص معرفة أو قصور ذهنی فی عدم التمییز بین المسائل الثابتة التی لا تقبل جدلاً، وبین المشكوكة الصحّة فی كلّ أو بعض ما تتضمّن، وبالتالی فهو لا یملأ فراغاً علمیاً، بل علی العكس إذ یسهم بإیجاده بدعمه نمطاً نقدیاً لا یری من الصورة غیر إطارها، ولا من الشخص إلاّ اسمه، ومع هذا قد یكون صادراً بحسن نیّة.

إلاّ أنّ نمطاً نقدیاً من نوع آخر لا یمكن أن یكون كذلك، ذلك النمط الذی یجعل ما عند الآخر متهافتاً ولو كان فی منتهی القوّة، ویصنّف الآخرین بالصورة التی یرغبها هو، صورة ساخرة یحاول أن یمزّقها بقلمه الذی اعتاد النزول إلی الشتائم لدرجة تشعر من خلالها لذّته فی الشتم والسباب!

فتراه یعطی العناوین النقدیة ـ لِما هو صواب فعلاً ـ بروزاً ظاهراً وحجماً ممیّزاً، وبشكل یبرز عقدة الاستهداف، مع تأصیل الاستبداد النقدی بالرغبة الظاهرة فی احتكار الموضوعات بثقافة شخصیة تفتقر إلی التوازن النفسی باستعلائها علی ذوی الاختصاص فی نقد ذلك التراث الضخم بتعلیم تلقینیٍّ جامد غالباً ما یؤدّی إلی هیمنة التصوّرات التی لا محصّل لها، والافتراضات الخاطئة فی نقد الآخرین.

كلّ هذا مع حشد الناقد الفاقد لمعاییر النقد العلمیة ـ سواء فی الحدیث الشریف أو غیره ـ لجهات أُخری فی محاولة منه لاِعلان حالة من التعبئة العامة لمواجهة الطرف الآخر بعقلیة التحریض المضادّ، كما نلحظه الیوم فی تذییل الكتابات النقدیة أو تصدیرها بعناوین التحذیر!!

وهكذا یكون التهدید المباشر، وبلغة بعیدة عن أخلاقیات النقد العلمی



[ صفحه 4]



الموضوعی الهادف علی درجة عالیة من الفجاجة والاستفزاز، لاَنّه تأطیر للعلماء بجهالة من دون تروٍّ مطلوب، ولا أشكّ فی أنّ الطرف الآخر سوف لن یقابل الاِساءة بالاِحسان علی هذا النحو من التشویه، وإنّما سیكون هو الآخر فی حالة اسـتنفار دائم مع التحدّی المستمرّ، وهذا ما یؤكّد بطبیعته مسـیس حاجتنا إلی الرجوع إلی منابع الاِسلام الصافیة، مع ضرورة تشخیص تلك الثقافات المنحرفة، فهی كجرثومة السرطان التی إذا ما وجدت بیئـتها فی عضوٍ فلیس له طبٌّ غیر الاسـتئصال!

كیـف لا؟! وهدفها المعلَن هو التشكیك ببعض المسلَّمات والثوابت الدینیة بحجّة اختلافها وتعارضها.. ویأتی فی مقدّمة تلكم المسلَّمات والثوابت مسألة الاعتقاد بظهور الاِمام المهدیّ علیه السلام فی آخر الزمـان.

نعم، لقد تعرّض لهذه المسألة بالنقد مفتقرو المعاییر العلمیة لنقد الحدیث، وتأثّر بعضهم بمنهج البحث الاسـتشراقی إزاء قضایانا الاِسلامیة، حتّی أطلق ـ تبعاً لجولدزیهر، وفلوتن، وولهوسن، وغیرهم ـ خرافة فكرة الاِمام المهدیّ وأُسطوریّتها!!

وهكذا طعنوا إسلامهم فی الصمیم، ولم یلتفتوا إلی أنّ الاَُسطورة التی بسطت وجودها بهذا الشكل فی تراثنا الاِسلامی، ومدّت خیوطها فی سائر العصور الاِسلامیة، وانتشر الاِیمان بها فی كلّ جیل؛ لا شكّ أنّها سلبت عقول فحول علماء المسلمین، وصنعت لاَجیالهم تاریخاً عقائدیاً مزیّفاً، وتلك هی الطامّة الكبری والكارثة العظمی!

كیـف لا؟! وفی تاریخ المسلمین أُسطورة قد أجمعوا علی صحّتها!!

هذا، مع أنّ التاریخ لا یعرف أُمّة خلقت تاریخَها أُسطورةٌ، فضلاً عن كون أُمّة محمّـد صلی الله علیه وآله وسلم هی من أرقی أُمم العالم حضارة باعتراف المسـتشرقین أنفسهم، ناهیك عن دور القرآن الكریم والسُـنّة المطهّرة فی تهذیب نفوس



[ صفحه 5]



المسلمین، ومحاربة البدع والخرافات والاَساطیر التی كانت سائدة فی مجتمع ما قبل الرسالة السماویة الخالدة.

ومن هنا، وانطلاقاً من رصد المشاكل الثقافیة المهمّة المرتبطة ارتباطاً وثیقاً بواقع النقد وُلِدَ هذا البحث، لیكون مساهمة متواضعة بحاجة إلی النقد العلمی البنّاء، والاِضاءة، والتطویر، لعلّه یؤدّی إلی فهم إسلامی مشترك، ویغلق منافذ التشكیك بواحدة من مهمّات قضایانا الاِسلامیة، وهی قضیة ظهور الاِمام المهدیّ علیه السلام فی آخر الزمان، وعلی طبق ما أخبرت به السُـنّة النبویّة المطهّرة. [1] .

وسوف أستهلّ البحث بإثبات تواتر أحادیث المهدیّ، ذاكراً مَن أخرجها من الاَئمّة الحفّاظ، ومَن أُسندت إلیه، ومَن قال بصحّتها أو اعترف بتواترها علی نحو الاِیجاز والاختصار، ومِن ثمّ إخضاع ما وقفت علیه من الاَحادیث المختلفة والمتعارضة بهذا الشأن إلی الدراسة والنقد وعلی ضوء ما تعارف علیه أهل الفنّ من الفریقین، راجیاً من السادة العلماء، والمشایخ الاَجـلاّء، والباحثین الفضلاء التماس العذر لی علی ما یرونه من زلاّت وهفوات وهنات، وأن یغفروا لی ذلك، والله أَوْلی بالمغفرة.

وهو حسـبی.

ثامر هاشم حبیب العمیدی

28 المحرّم الحرام 1416 هـ

قـم المشـَّرفـة



[ صفحه 6]




[1] راجع كتاب: «مقدّمة في علم التفاوض الاجتماعي والسياسي» للدكتور حسن محمّـد وجيه، إصدار سلسلة عالم المعرفة، رقم 190، الكويت 1415 هـ، فستجد فيه نماذج راقية من أدب الحوار الهادف الذي يمكن توظيفه لخدمة الاَعمال النقدية؛ والحقّ، أنّي استفدت هنا من بعض أفكاره.