کد مطلب:306513 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:285

اللقاء


.. كان قلب نبی الاسلام یهفو وجداً و حباً عند سماعه اسم خدیجة؛ لانها تحمل روحاً رقیقة و نفساً ابیة، ملؤها حب اللَّه والجهاد فی سبیله.

.. اسرع النبی الی بیت أُم المؤمنین ممتثلاً لأمر ربه... فقد اشتاق فؤاده الیها بعد أربعین یوماً من الاعتزال الذی امره به اللَّه [1] لبناء اعظم نطفة لرسول الوری.

تلك النطفة التی جعلته یسكن محرابه یعبد اللَّه.

.. فی حین تغدق علیه الملائكة من ثمار الجنة، كی یتهیأ لصنع النور الذی سیكون رحمة علی أهل الأرض و السماء.

أما الآن فقد جاءت لحظة لقاء الحبیبین و اجتماعهما، اللحظة التی كانت تنتظرها خدیجة بفارغ من الصبر والتحمل، و تتوق الیها بفیض من الحب والحنان.

... و كما تعودت خدیجة أن تقوم بتلك الساعات فتغلق بابها، و تسدل ستارها، و تسجف سترها، و تصلی وردها.

لكنها لایوم ما كادت لتفعل حتی حدثها قلبها بشعور غریب مرهف.

اجل: فقد سبقت المصطفی غمامته، لتزف خبر لقاءها مع رسول اللَّه.

.. كتمت خدیجة انفاسها مرتاعة بفرحتها، التی علت كل كیانها، ثم ما اوشكت ان تلتفت، حتی سمعت طرقات الباب:

فهبت لتهتف قائلة:

- «ما لهذا الطارق الذی طرق حلقة ما یطرقها إلّا رسول اللَّه».

عند ذلك اجابها النبی بعذوبة و حلاوة لسانه:

- «افتحی الباب انی أنا النبی».


... ففاضت عیونها ببریق مضی ء، و هی ما تزال ساكنة محتارة بفرحتها، فانساقت بكل كیانها نحو الباب، تتعثر فی سیرها ففتحته، و بسمتها تعلو محیاها الجمیل لكن بعین الوقت تعكس شیئاً من الحزن ممزوجاً بفرحة و حب دافق تكنه لهذا الرجل الذی یمثل امامها بعینیه المشرقتین بایمان اللَّه، لكن روحها لم تنس ذلك الصفاء و ذلك النور، الذی كان دوماً یطویها بهالة بهیة نقیة.

.. استقبلته بفرحتها، و لم یفتر لسانها حینما حفت الرسول بالسؤال عن نفسه، و كیف قضی تلك الایام، التی لم تنعم هی برؤیاه.

فهاجت فی نفسها اشجانها، حینما كانت تجلس فی محرابها تدعو له بالحفظ والسلامة من اعدائه.

و كان الزوج المخلص یدرك تلك المشاعر و الاحاسیس التی كانت تعانیها زوجته، و هی تشكو امرین: مرارة فراق النبی لها، و ترك نساء قریش زیارتها والتحدث معها.

فظل بقربها یطمئنها، و یؤنس روحها المضطربة، و یسكن اشجانها، حتی ان نهضت من عنده و قد علتها ابتسامة، جلت كل ما كان من تعب و خوف فی قلبها.

فاتجهت نحو إناء التطهیر لتقدمه للرسول... فقد عهدته ان یصلی نافلته.

فغض النبی نظهر عما اتت به.

أجل، سیدتی الكریمة، ما كان لیّ ان اُلمح أكثر من هذا فسامحی شعوری، إلّا أننی أقول ان نطفة نورك قد ازهرت بین احشاء خدیجة عندما تشاطر الأبوان الطاهران شمس جمالك المتوهجة، لیشتركا معاً فی اخراج اعظم شخصیة نسویة عرفتها الانسانیة، بل هی حیة فی النفوس و الی قیام یوم الدین؛ «ناقوس حق و حریة».

نعم: تكور جنین خدیجة الطهر، و محمد خیر الوری.

.. الجنین المبارك الذی تحدثت عنه السماء، وصغت الأرض لأنین ثغره،


عندما كن یناغی الام خدیجة و یسبح و یرتل الفرقان و هو فی احشائها الطاهرة.

حقاً ان یا زهراء قرة لعین ابویك و شیعتك و محبیك.

فلقد التمعت عیون الام بالشوق و هی تستشعر حملها المرتقب و تستمع لدقات قلبه، ثم تغبطها سعادة عظیمة و طمأنینة، فتحلق روحها اجواز آفاق الفضاء.

- «إن جنینی یناغینی، و اُناغیه، و یشاطرنی همی و یؤنسنی فی وحدتی و وحشتی».

هذا ما طرأ اسماع الاب الكریم. [2] .

و انها لمعجزة والله... فما كلّم عیسی اُمه «مریم» إلّا و هو فی المهد صبیا.

أما (الزهراء) فقد كلمت اُمها و هی ما تزال جنیناً.

فهنیئاً سیدتی لابویك... و لتكتب اقلام القصاصین معجزة الزمن التی حار بها الكتاب و المؤلفون، فصارت كالاسطورة، و هی آیة من آیات رب العالمین.



[1] بيت الاحزان للقمي.

[2] و من الذين اخرجوا هذا الخبر: محب الدين الطبري في خائره ص 44... عن الملأ في سيرته ان خديجة قالت: اني حملت حملاً خفيفاً فادا خرجت أي النبي صلي اللَّه عليه و آله و سلم حدثني الذي في بطني. كذا ذكر نزهة المجالس ج 2 ص 227 و كذا ذكر جمع من علماء الشيعة.