کد مطلب:369628 چهارشنبه 25 اسفند 1395 آمار بازدید:362

المقدّمة
 مقدّمة

لا یخفى على أهل التحقیق؛ أنّ مذهب أهل البیت(علیهم السلام)، ومنذ صدر الإسلام وإلى الوقت الحاضر، قد تعرّض وما زال إلى الكثیر من الحملات الشرسة التی كانت ترمی إلى هدم كیانه من الأساس، أو التشكیك ببنیته الفكریة ـ على أقل التقادیر ـ من قبل علماء السلطة السیاسیة الحاكمة على المجتمع الإسلامی؛ وذلك لما یمثله من تهدید لطموحات الحكام، حیث كان بمقتضى مبانیه الفكریة، التی تتمحور حول مفهوم الإمامة الإلهیة لأهل البیت(علیهم السلام) یُشكّل عائقاً شرعیاً أمام سلطانهم، لكن اتّكاء المذهب على أسس متینة وقویمة مستمدّة من الكتاب والسنّة الصحیحة، جعلته یقاوم تلك التشكیكات والشبهات الهائلة، فما كان من تلك الشبهات إلا أنْ زادته قوّة وصموداً وانتشاراً ملحوظاً فی العالم، وخاصّة فی الكثیر من بلدان المنطقة العربیة، فأخذ یشقّ طریقه بیسر وسلاسة نحو قلوب الملایین ممّن یحملون العقل الواعی والفطرة السلیمة.

وهذا الانتشار الكبیر أثار حفیظة الكثیر من خصومه فعمدوا إلى توحید الجهود للوقوف أمام هذا الانتشار, فراحوا یستثمرون المنابر الإعلامیة بمختلف أنواعها ـ والتی أتاحها التطور اللافت فی مجال الإعلام والمعلومات، وخاصّة ظهور القنوات الفضائیة وشبكة المعلومات العالمیة (الإنترنت)ـ من أجل مناهضة منهج أهل البیت(علیهم السلام)، سواء من خلال ضربها للأسس النظریة لهذا المنهج، وخاصّة نظریة الإمامة، أو التشكیك بالوقائع التاریخیة الحساسة التی تثبت أحقیته وأرجحیته وصدق متبنیاته فی الواقع التاریخی العملی، أو من خلال عرض صورة مزورة وموهومة للتیارات المضادة لمذهب أهل البیت(علیهم السلام) وتسویقها إلى الرأی العام المسلم على أنّها تمثل قمّة الالتزام بأسس الإسلام، وأولها كتاب الله وسنة نبیه وسیرة السلف الصالح ـ كما یُدّعى ـ وهو أمر یدحضه الواقع العملی لهذه التیارات فضلاً عن المبانی النظریة.

ومع أنّ طرح مسألة الخلاف بین المذاهب الإسلامیة بشكل عام، أو بین مذهب أهل البیت والتیارات المضادّة له على وجه الخصوص، فی القنوات الفضائیة لم یكن أمراً شائعاً أو متعارفاً لأسباب كثیرة، قد یكون العامل السیاسی من أبرزها، إلاّ أنّ قناة فضائیة اشتهرت بأنّها تخدم الأجندة الوهابیّة السلفیّة، قد تبنت طرح هذه المسائل لأسباب لسنا بصددها الآن، حیث طرحتها بصورة موسعة لم یسبق لها مثیل، وبطریقة أقرب ما تكون إلى الدعایة الإعلامیة منها إلى البحث العلمی المُمنهج والموضوعی، دون مراعاة للواقع الراهن الذی علیه العالم أجمع والمسلمون خاصّة، فراحت تثیر الخلاف بالغور فی مسائل حسّاسة ومعمّقة ومتداخلة تمسّ أفكار ومشاعر المسلمین، وبمختلف المجالات، سواء منها العقدیة أو التاریخیة أو الفقهیة.

 ونحن نعتقد، ومن الأساس، أنّ طرح مثل هذه المسائل فی شاشات التلفاز, وخصوصاً بمثل الطریقة التی تمّ طرحها من خلالها، أمر لیس فی مصلحة الإسلام والمسلمین، فضلاً عن أنّه لا یفضی إلى نتیجة إیجابیة، بل قد تكون له آثار عكسیة، وذلك لأسباب كثیرة، أهمّها هو ما تتصف به هذه المسائل من تعقید وتداخل، مضافاً إلى عمقها التاریخی الممتد على مسافة قرون عدیدة، وهو ما یجعلها بحراً هائجاً من التراكمات التاریخیة، الذهنیة منها والنفسیة..

فكنّا وما زلنا نرى أنّ الجدیر بمثل هذه المسائل الخلافیة العمیقة والمهمة، والتی كانت سبباً فی حدوث شرخ فی صف وحدة المسلمین، أن تكون بمعزل عن شاشات التلفزة، وأن یكون نقاشها فی مؤتمرات علمیة تهدف لفهم طبیعة هذه الخلافات بشكل معمق، بحیث تكون هناك إرادة جادة لذلك، لا أن تمارس عملیة الفهم بمثل تلك السطحیة، كما هی علیه فی القنوات الفضائیة.

وكیف ما كان؛ فقد اضطرّنا الدفاع عن المذهب، وإزالة الشبهات التی یحاول الآخرون إلصاقها به, إلى المشاركة فی بعض المناظرات.

ومع أنّنا لسنا بصدد وضع النقاط على الحروف بخصوص هذه المناظرات أو المنبر الذی طرحت من خلاله، بل نوكل ذلك إلى الوقت المناسب، إلا أنّ الإشارة وبعجالة إلى بعض القضایا الأساسیة یبدو أمراً لا محیص عنه:

الأولى: أنّ هناك خلطاً واضحاً فی المفاهیم، وفی أكبر الظنّ أنّه متعمَّدٌ من قبل القائمین على هذه المناظرات، وهذا الخلط یتقاطع تماماً مع الأهداف التی یطرحها هؤلاء، ومن أمثلة ذلك، هو الخلط بین مسألة سبّ الصحابة والإساءة إلیهم وبین توجیه النقد إلیهم، فلم یكن هناك نظر فی الأدلة التی تُطرح فی هذا الصدد كی یتسنى الوصول إلى الحقیقة المراد الوصول إلیها والتی تشكّل موضوع البحث, بل تراهم یتهربون من النقاش إذا ما أعیتهم الحیلة فی الجواب فیتّكئون على دعوى بأن الشیعة تسبّ الصحابة، من دون دلیل ولا برهان؛ للخلاص من مأزق وجود أخطاء ومعاصی عند بعضهم, وهذا الخلط مرده ـ حسب ما نعتقد ـ إلى ضعف الحجّة والبرهان عند الطرف الآخر، وبشكل عام قلّة المادة العلمیة لدى القائمین على المناظرات والفریق الذی یمثلهم.

الثانیة: أفرزت هذه المناظرات، ومن ضمنها المناظرة التی نحن بصددها، أنّ هؤلاء یراهنون على تأجیج عواطف ومشاعر المسلمین عن طریق زرع طود عظیم من الأفكار السلبیة فی عقولهم وضمائرهم تجاه شیعة آل البیت(علیهم السلام)، قبل أن یراهنوا على وعی الناس وحبّهم للحقیقة؛ لذلك نجد أن منهجهم یستند فی أغلب الأحیان إلى الإثارة والشحن العاطفی؛ مذهبیاً وطائفیاً، بل وحتى قومیاً وللأسف الشدید.

الثالثة: أنّ من یدّعی حرصه على أنْ یتوحد المسلمون بكلّ طوائفهم، وتتآلف قلوبهم وتجتمع كلمتهم ویكونوا یداً واحدة على من سواهم ـ كما هو شعارهم فی هذه المناظرات وفی غیرها ـ لا یستضیف فی البرامج الخاصّة بمناقشة الأمور العقائدیة الشائكة والحساسة شخصیات معروفة بتطرفها وعدم إیمانها بالحوار من الأساس، ولا بمسألة التقریب بین المذاهب التی ینادی بها أتباع مذهب أهل البیت(علیهم السلام)، ففی ظلّ هذه النظرة التی یحملها الطرف الآخر لیس من المعقول الخروج بنتیجة إیجابیة بین المتحاورین؛ لأنّ من أساسیات الحوار هو وجود مساحة مشتركة یجتمع علیها الطرفان، ومن ثم یتحاوران على نقاط الخلاف، فیطرح كلّ منهما دلیله علیها، فإذا كان دلیل أحدهما ملزماً للآخر وجب علیه الأخذ به، وإلا ردّه بأسلوب علمی بعید عن التشنجات والانفعالات العاطفیة.

ولذلك یمكننا القول وفق هذه المعطیات: أنّ غرضهم من كلّ هذه المناظرات لیس الوصول إلى الحقیقة التی هی ضالّة المؤمن، أو التعرّف على مذهب أهل البیت(علیهم السلام) عن قرب؛ من خلال طرح أدلّته ومناقشتها نقاشاً علمیاً، ومعرفة مدى أحقیتها من عدمه؛ بل هو محاولة لإسقاط المذهب الشیعی من وجدان المسلمین وقلوبهم لیس إلا، ویمكن التدلیل على ذلك بمحاولتهم الطعن فی أجوبة الشیعة من خلال رفضها وتكذیبها من الأساس بحجّة إیمانهم بالتقیة، أو محاولة تسفیهها بحجّة أن الشیعة تعتمد فی استدلالها على روایات موضوعة أو ضعیفة على أقلّ تقدیر، أما لو كانت هذه الروایات صحیحة سنداً، فتراهم یلجأون إلى تفریغها من دلالتها عن طریق تفسیرها تفسیراً بعیداً عن معناها وما هو المراد منها، أو تأویلها تأویلاً مخالفاً للفهم العرفی أو الذوقی السلیم، وهكذا یتدرجون فی رد كل أجوبة الشیعة، ولو كانت فی الصحة من الوضوح كوضوح الشمس فی رابعة النهار، وإن خالفوا بذلك أبسط مقومات الحوار والجدل بالتی هی أحسن، كما أمرنا القرآن الكریم ونادت به السنة المطهرة.

أمّا بالنسبة إلى المناظرة التی نحن بصددها فی هذا الكتاب، فكان الغرض من ورائها هو القفز على الواقع التاریخی؛ ومحاولة التأسیس لفهم جدید حول التعامل مع المذهب الشیعی؛ من خلال إبرازه أنّه مذهب یسعى لشقّ صف المسلمین، عبر بعض معتقداته التی تنال من أعمدة المذهب السنّی. فالزهراء(علیها السلام) وشهادتها وما جرى علیها من ظلامات رافقت حیاتها القصیرة، مثلاً، هو فی نظر الطرف المخالف لا یعدو خرافة من خرافات الشیعة، وأنّه تجنّ على التاریخ الإسلامی، وانتقاص من شخصیات عرفت بأنها شخصیات من الرعیل الأول من الصحابة، لذلك ینبغی على الشیعة التخلص من هذا الاعتقاد؛ لكی تتحقق الوحدة الإسلامیة ویحدث التقارب الذی یطمح له المسلمون!

وفی الواقع, أنّ هذه محاولات یائسة لا تهدف إلا للنیل من المذهب الشیعی فی الدرجة الأولى، والسعی لطمس الحقائق التاریخیة، أو محاولة قراءتها بما ینسجم مع القواعد والأسس الفكریة للطرف المخالف.

إنّ مسألة مظلومیة الزهراء(علیها السلام) لم تكن منحصرة فی التراث الشیعی، كما یدّعی الطرف الآخر، بل إنّ ذلك ممّا اشتهر وجوده فی التراث السنّی أیضاً, فقد ذكروا أنّها ماتت وهی غاضبة على الخلیفتین وهاجرة لهما([1])، كما نقلوا فی مصادرهم مسألة التجاوز علیها وعلى بیتها, وسوف نتعرض لذلك فی هذا الكتاب إنْ شاء الله.

 وقد حرصنا فی هذه المناظرات على الالتزام بالموضوعیة والتجرد كأصول أساسیه للبحث العلمی، كما سیلمس القارئ الكریم ذلك بنفسه.

كما حرصنا أیضاً على المحافظة على أصل الحوار الذی دار على هذه القناة([2])، كما عمدنا إلى تحویله من اللهجة العامیّة إلى اللغة العربیة الفصیحة, مع بعض التصرف فی العبارة، فی نفس الوقت الذی حافظنا فیه على المعنى المقصود للمحاور لیتسنّى للقارئ فهمه والوصول إلى مضامینه، هذا مع إضافة بعض الهوامش والتعلیقات المهمة، والتی لم نستطع طرحها فی حینها لضیق الوقت، وكثرة المداخلات والاعتراضات علینا من قبل القائمین علیها، والتی من شأنها أنْ تدعم الحقائق التی طرحت فی المناظرة، وتفكُ العُقَد التی حاول الفریق الآخر إیجادها فی ذهن المخاطب؛ لتكون حُجُباً تحول بینه وبین الحقیقة.

ونرى من الضروری هنا أنْ نذكر توطئةً نشیر فیها إلى بعض المواضیع المهمة، والتی تعالج بعض الإشكالات التی ربما تعترض طریق الباحث، وتفتح له نافذة لیطل منها على الواقع العقائدی والمعرفی الذی عاشه المسلمون، ومدى تأثره بالسیاسات الحاكمة، التی مارست شتى أنواع التضلیل بحق الرعیة من جهة, وما تعرض له الموروث الدینی من تلاعب وتحریف من جهة أخرى.


([1]) انظر في ذلك: البخاري, صحيح البخاري: ج5 ص82, ابن أبي الحديد, شرح نهج البلاغة: ج6 ص50, ابن قتيبة, الإمامة والسياسة: ج1 ص20.
([2]) وقد حذفنا المتكرر من البحوث أو المداخلات الخارجة عن الموضوع.