کد مطلب:205451 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:357

علمه
سنوات قلیلة من حیاة الامام جعفر بن محمد الصادق علیه السلام ملأ فیها الدنیا بعلمه، و ازدهرت ألوف الكتب بأحادیثه و آرائه، ألقی فیها علی طلابه مختلف العلوم، و علمهم صنوف المعارف، فحلقة للحدیث، و أخری للفقه، و ثالثة للتفسیر، و رابعة للفلسفة و الالهیات، و خامسة لبحث الأفلاك و مدارات الشمس و القمر و النجوم لقد شبهوا دار الامام علیه السلام بالجامعة.

قال الأستاذ محمد صادق نشأت - الأستاذ بكلیة الآداب بجامعة القاهرة -: و خلاصة القول ان دار الصادق كانت كجامعة كبیرة تموج بالحكماء و أهل العلم یجیب أسئلتهم، و یحل مشاكلهم، دون التفات الی نحلهم و مذاهبهم أو فروقهم و مقاصدهم و قد جمع أصحابه المتقربون الیه دروسهم فی أربعمأئة كتاب، و سموها (الأصول الأربعمائة) و ان الرسالة التی أملاها علی المفضل بن عمر للرد علی العالم الدهری المعروف بابن أبی العوجاء، تشیر الی منزلة الصادق و احاطته العجیبة بأنواع المعارف و الفنون [1] .

لقد یمم المسلمون الی جامعة الامام الصادق علیه السلام من كافة الأقطار الاسلامیة، ینتهلون من نمیرها الفیاض، و یغترفون من معینها العذب.

قال الأستاذ عبدالعزیز سید الأهل: و كذلك أرسلت الكوفة و البصرة، و واسط، و الحجاز، الی جعفر بن محمد أفلاذ أكبادها، ومن كل قبیلة: من بنی أسد، و مخارق، وطی، و سلیم، و غطفان، و غفار، و الأزد، و خزاعة، و خثعم، و مخزوم، و بنی ضبة، و من قریش، و لا سیما بنی الحارث بن عبدالمطلب، و بنی الحسن بن



[ صفحه 415]



علی، و رحل الیه جمهور من الأحرار، و أبناء الموالی، من أعیان هذه الأمة: من العرب و فارس، و لا سیما مدینة قم [2] .

و لا غرو ان كانت مدرسته علیه السلام بمثل هذه المثابة، و أن یقصدوها المسلمون من كل صقع و قطر، لیرتووا من نمیرها العذب، و یتزودوا من رحیقها العطر، فمؤسسها الذی ملأ الدنیا علمه و فقهه - كما یقول الجاحظ -.

لقد استأثر علم الامام الصادق علیه السلام باهتمام المؤرخین و نقلة الآثار منذ العصر الأول و حتی الیوم، فكل من كتب عنه تحدث عن علمه الغزیر، و ذكر من تتلمذ علیه من علماء المسلمین و كبرائهم، و مؤسسی المذاهب الاسلامیة.

قال أحمد بن حجر الهیثمی: جعفر الصادق نقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان، و انتشر صیته فی جمیع البلدان، وروی عنه الأئمة الأكابر: كیحیی بن سعید، و ابن جریح، و مالك، و السفیانیین، و أبی حنیفة، و شعبة، و أیوب السختیانی [3] .

و قال أبونعیم الأصبهانی: روی عن جعفر بن محمد عدة من التابعین، منهم: یحیی بن سعید الأنصاری، و أیوب السختیانی، و أبان بن تغلب، و أبوعمرو بن العلاء، و یزید بن عبدالله بن الهاد، و حدث عنه الأئمة الأعلام: مالك بن أنس و شعبة بن الحجاج، و سفیان الثوری، و ابن جریح، و عبدالله بن عمر، و روح ابن القاسم، و سفیان بن عیینة، و سلیمان بن بلال، و اسماعیل بن جعفر، و حاتم بن اسماعیل، و عبدالعزیز بن المختار، و وهب بن خالد، و ابراهیم بن طهمان فی آخرین، و أخرج عنه مسلم بن الحجاج فی صحیحه محتجا بحدیثه [4] .

و قال أبوالعباس أحمد بن یوسف الدمشقی القرمانی: كان من بین أخوته خلیفة أبیه و وصیه، نقل عنه من العلوم ما لم ینقل عن غیره، كان رأسا فی الحدیث، روی عنه: یحیی بن سعید، و ابن جریح، و مالك بن أنس، و الثوری و ابن عیینة، و أبوحنیفة، و شعبة، و أبوأیوب السجستانی، و غیرهم [5] .



[ صفحه 416]



و قال أحمد شهاب الدین الخفاجی: جعفر الصادق، أبوعبدالله بن محمد بن علی بن الحسین بن علی بن أبی طالب، روی عنه كثیرون: كمالك بن أنس، و السفیانیین، و ابن جریح، و ابن اسحاق، و اتفقوا علی امامته و جلالته و سیادته. ولد سنة 80 ه و توفی سنة 148 ه قیل مسموما، و ثقه فی روایته الشافعی، و ابن معین، و أبوحاتم، و الذهبی. و هو من فضلاء أهل البیت و علمائهم علیهم السلام [6] .

و قال جمال الدین أبوالمحاسن یوسف بن تغری الأتابكی بعد كلام له فی فضله: و حدث عنه أبوحنیفة، و ابن جریح، و شعبة، و السفیانیان، و مالك، و غیرهم، و عن أبی حنیفة قال: ما رأیت أفقه من جعفر بن محمد [7] و قال محمود بن وهیب البغدادی الحنفی: نقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان، و انتشر صیته فی جمیع البلدان، و روی عنه الأئمة الأكابر: كیحیی بن سعید، و ابن جریح، و مالك، و السفیانیین، و أبی حنیفة. و شعبة، و أیوب السختیانی، و ابن عیینة، و غیرهم [8] .

و قال الشبلنجی: و مناقبه كثیرة تفوت علی الحاسب، و یحار فی أنواعها فهم الیقظ الكاتب، روی عنه جماعة من أعیان الأمة و أعلامهم كیحیی بن سعید، و ابن جریح و مالك بن أنس، و ابن عیینة و أبی حنیفة و أبی أیوب السجستانی، و غیرهم [9] .

و قال أبوزكریا محی الدین بن شرف النووی: روی عنه محمد بن اسحاق، و یحیی الأنصاری، و مالك، و السفیانیان، و ابن جریح، و شعبة، و یحیی القطان، و آخرون، و اتفقوا علی امامته و جلالته و سیادته [10] .

و قال الأستاذ محمد أبوزهرة: ما أجمع علماء الاسلام علی اختلاف طوائفهم كما أجمعوا فی فضل الامام الصادق و علمه، فأئمة السنة الذین عاصروه تلقوا عنه و أخذوا، أخذ عنه مالك رضی الله عنه، و أخذ عنه طبقة مالك: كسفیان بن عیینة، و سفیان الثوری، و غیرهم كثیر. و أخذ عنه أبوحنیفة مع تقاربهما فی السن، و اعتبره



[ صفحه 417]



أعلم الناس لأنه أعلم الناس باختلاف الناس، و قد تلقی علیه رواة الحدیث طائفة كبیرة من التابعین، منهم: یحیی بن سعید الخ [11] .

و قال السید أمیر علی: و لا مشاحة أن انتشار العلم فی ذلك الحین قد ساعد علی فك الفكر من عقاله، فأصبحت المناقشات الفلسفیة عامة، فی كل حاضرة من حواضر العالم الاسلامی، و لا یفوتنا أن نشیر الی أن الذی تزعم تلك الحركة هو حفید علی بن أبی طالب، المسمی بالامام (جعفر) و الملقب ب (الصادق) و هو رجل رحب أفق التفكیر بعیدا، غوار العقل، ملم كل الالمام بعلوم عصره، و یعتبر فی الواقع أنه أول من أسس المدارس الفلسفیة فی الاسلام، و لم یكن یحضر حلقته العلمیة أولئك الذین أصبحوا مؤسسوا المذاهب الفقهیة فحسب، بل كان یحضرها طلاب الفلسفة و المتفلسفون من الأنحاء القاصیة [12] .

و قال الدكتور أحمد أمین: الشیعة تروی عنه الشی ء الكثیر، حتی صنفوا من اجاباته عن المسائل أربعمائة كتاب، سموها (الأصول) و لم یرو عن أحد من أهل بیته ما روی عنه، حتی قال الحسن بن علی الوشا - من أصحاب الرضا - أدركت فی هذا المسجد - یعنی مسجد الكوفة - تسعمائة شیخ كل یقول: حدثنی جعفر بن محمد. و ذكروا أن الرواة عنه بلغوا نحو أربعة آلاف رجل [13] .

و أرجع ابن أبی الحدید فقه أئمة أهل السنة كله الیه، و علمهم مقتبس منه، فهو أستاذهم الأكبر، الذی عنه أخذوا، و منه اقتبسوا.

قال: أما أصحاب أبی حنیفة: كأبی یوسف، و محمد و غیرهما، فأخذوا عن أبی حنیفة، و أما الشافعی فقرأ علی محمد بن الحسن، فیرجع فقهه أیضا الی أبی حنیفة، و أما أحمد بن حنبل فقرأ علی الشافعی، فیرجع فقهه أیضا الی أبی حنیفة، و أبوحنیفة قرأ علی جعفر بن محمد علیهم السلام [14] .



[ صفحه 418]



و قد تحدث أبوحنیفة عن تلمذته علی الامام الصادق علیه السلام و أخذه عنه فقال: لولا السنتان لهلك النعمان. یشیر الی السنتین اللتین صحب فیهما لأخذ العلم عن الامام الصادق رضی الله عنه [15] .

و لو أنصف المسلمون الامام الصادق علیه السلام لوجدوه السادن للشریعة المحمدیة، و الناشر للعلوم الاسلامیة، و المؤسس لكثیر من العلوم الحدیثة، و واضع أسسها، و سیمر علیك فی الفصل اللاحق - الامام الصادق ملهم الكیمیاء - فی نسبة هذا العلم الیه، و أخذه عنه، كما أن هناك علوما كثیرة أخذت عنه، و اقتبست منه.

قال الحومانی رحمه الله: و استخراج المعلوم من المجهول له علم خاص، سماه علماء الغرب (علم الجبر) اشتقوه من اسم جابر بن حیان، لأنه أول من وضع هذا العلم، نقلا عن معلمه جعفر الصادق علیه السلام.

و قال: و الذرة التی تم الكشف عنها فی عصرنا الراهن، لم تكن ولیدة هذا العهد و عقوله، انما هی ولیدة عقول جبارة مر بها قرون عدیدة و هی تبحث عنها، و كان قدیما یطلقون علیها اسم (الجوهر الفرد) و (الجزء الذی لا یتجزأ) علی أن علماء الیوم كانت عمدتهم أو أكثر اعتمادهم فی الوصول الی الذرة علی الآراء التی حشدها جابر بن حیان فی رموزه التی حیرت علماء الغرب لدی استخراجها و التمكن منها.

و قال: قال لی الدكتور یحیی الهاشمی: ان عدة كتب مخطوطة لجابر بن حیان لا یزال علماء الألمان یعكفون علی حل رموزها [16] .

هذه المامة سریعة بما یتعلق بعلمه علیه السلام، و لعل الزمن یكشف لنا جوانب جدیدة من حیاة الامام الصادق علیه السلام العلمیة، و یجلی الغموض عن بعض روائع عظمته المجهولة.



[ صفحه 419]




[1] أشعة من حياة الصادق: 3 / 58.

[2] انظر كتابه جعفر بن محمد 59.

[3] الصواعق المحرقة 199.

[4] حلية الأولياء: 3 / 199.

[5] أخبار الدول 112.

[6] شرح الشفاء: 1 / 124.

[7] النجوم الزاهرة: 2 / 9.

[8] جوهرة الكلام: 118.

[9] نور الأبصار: 210.

[10] تهذيب الأسماء و اللغات: 1 / 149.

[11] الامام الصادق لأبي زهرة 66.

[12] مختصر تاريخ العرب و التمدن الاسلامي 179.

[13] ضحي الاسلام: 3 / 264.

[14] شرح نهج البلاغه:1 / 6.

[15] مختصر التحفة الاثني عشرية للألوسي ص 8. راجع فصل الامام الصادق في نظر العلماء و العظماء، تجد كلمات أئمة المذاهب في الامام عليه السلام.

[16] أشعة من حياة الصادق 41.