کد مطلب:323820 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:382

تمهید
یقول رسول الله صلی الله علیه و سلم: كل مولود یولد علی الفطرة فأبواه یهودانه أو ینصرانه أو یمحسانه. و قد قام الشیخ عبدالعزیز جاویش رحمه الله بترجمة هذا الحدیث الشریف لعدد من كبار المثقفین الانجلیز شارحا لهم أن الذی یفهم من الحدیث أن التهوید أو التنصیر صفة تطرأ علی الانسان بكسب أبویه كالجدع الذی بصیب الشاة بعد أن تولد علی الفطرة سلیمة لا عیب فیها.

و یدلل علی ذلك بما نص علیه الشرع الاسلامی من عدم تكلیف القاصرین و ألا یؤاخذوا بما فعل آباؤهم من التهوید و التنصیر، حتی یبلغوا راشدین راضین بدین آبائهم فیؤاخذوا اذ ذاك و قد ألقیت علی كواهلهم اعباء التكالیف بما كسبت أیدیهم، «فتری الاسلام قد اعتبر القاصرین، حتی أبناء النصاری أو الیهود أو المجوس، مسلمین ناجین حتی یكلفوا. فالدین الفطری لكل مولود هو الاسلام الا فیما یتعلق ببعض المعاملات الدنیویة كالارث و نحوه، فان الأطفال فی ذلك تابعون لآبائهم» [1] ، و یوضح لنا الشیخ جاویش كون الاسلام دین الفطرة، و انه لو ترك الطفل و شأنه حتی كبر غیر مهود و لا منصر لما اختار بفطرته الا الاسلام، و لا یمكن توضیح ذلك الا بالبحث فی بعض أصول الاسلام و قواعده
و الأغراض التی یرمی الیها الشارع فی تكالیفه، فیقول: [2] «كل انسان یشعر بفطرته أن ثمة واحدا قد نظم هذا العالم و دبره، لا یمكن أن یشابه الممكنات فی شی ء من صفاتها، فلیس بجسم و لا عرض و لا محدود و لا متحیز، و لا یستطاع ادراكه الا بآثاره الشاخصة، و هو غیر قابل للحلول و لا للصعود و لا للنزول.

كان معاند و الیهود و المشركین یسألون الرسول علیه الصلاة و السلام أن یثبت دعواه النبوة بشی ء من المعجزات الخارقة للعادة، فكان صلی الله علیه و سلم یرجع بهم الی الجواب عما هو من حدود وظیفة الرسل، اذ لا علاقة عقلیة بین دعوی الرسالة و القدرة علی شق الأرض و نحوه من المعجزات، و لقد نقل عن ابن رشد أن الآیات الاقتراحیة الخاصة بطلب المعجزات لا تدل دلالة قطعیة علی دعوی الرسالة اذ جاءت منفردة لأنها لیست من أفعال الصفة التی سمی بها النبی نبیا أو الرسول رسولا، و لذا كان النبی علیه السلام یرجع بالقوم الی ما هو من حدوده و الی تدبر ما جاء به القرآن الكریم من الهدایة، فان دلالة القرآن علی هذه الصفة كدلالة الابراء علی الطب لمن یدعیه. قال الله تعالی: (و قالوا لولا أنزل علیه آیات من ربه قل انما الآیات عند الله و انما أنا نذیر مبین - أو لم یكفهم أنا أنزلنا علیك الكتاب بتلی علیهم ان فی ذلك لرحمة و ذكری لقوم یؤمنون) [3] ، و لطا لما أرشد النبی الی ما قصد من شریعته و هو اصلاح شأن العالم الانسانی و القضاء علی ما كان سائدا فیهم من الضلال المبین. قال الله تعالی: (قل لا أقول لكم عندی خزائن الله و لا أعلم الغیب و لا أقول لكم انی ملك ان أتبع الا ما یوحی الی قل هل یستوی الأعمی و البصیر أفلا تتفكرون) [4] ، و جاء فی سورة الاسراء: (و قالوا لن نؤمن لك حتی تفجر لنا من الأرض ینبوعا - أو تكون لك جنة من نخیل و عنب فتفجر الأنهار خلالها
تفجیرا - أو تسقط السماء كما زعمت علینا كسفا أو تأتی بالله و الملائكة قبیلا - أو یكون لك بیت من زخرف أو ترقی فی السماء و لن نؤمن لرقیك حتی تنزل علینا كتابا نقرؤه قل سبحان ربی هل كنت الا بشرا رسولا) [5] .

كم حذر النبی صلی الله علیه و سلم الناس من اللجاج فی طلب المعجزات و بین لهم و خاصة عواقبها و سوء نتائجها، و لم یكن طلب المعجزات تاشئا عن ترو من العرب و صدق رأی و سلامة فطرة و اصرار منهم علی ألا یقبلوا شیئا الا ببرهان، و لكنهم كانوا یقترحونها أما عبثا أو عنادا أو عملا بما تلقفوه عن الجاهلیة الاولی و ما أملت علیه نفوسهم التی أخذ الضلال بتلابیبها، فكان النبی علیه السلام یدعوهم الی العمل بمقتضیات الفطرة الانسانیة و یطلب ما لا یخالف سنة الله التی لن تجد لها تبدیلا، قال تعالی: (و أقسموا بالله جهد ایمانهم لئن جاءتهم آیة لیؤمنن بها قل انما الآیات عند الله و ما یشعركم أنها اذا جاءت لا یؤمنون - و نقلب أفئدتهم و أبصارهم كما لم یؤمنوا به أول مرة و نذرهم فی طغیانهم یعمهون - و لو أننا أنزلنا الیهم الملائكة و كلمهم الموتی و حشرنا علیهم كل شی ء قبلا ما كانوا لیؤمنوا الا أن یشاء الله و لكن اكثرهم یجهلون) [6] .

أراد الله الحكیم أن یبین للناس أن تلك الآیات التی یطلبونها لا تصلح مفحما لهم و حجة قائمة تلزمهم اتباع شرعه. و اننا لنری فی غیر موضع من كتاب الله ان القرآن یؤذن فی أرباب العقول بالتدبیر و ألا یشطوا فی مطالبهم و لا یعتسفوا فی اقتراحاتهم، بل أوجب علیهم أن یسلكوا الجادة الموصلة الی ما یریدون من الغایات. و من المبین أن القرآن الكریم هو المعجزة الخالدة الأبدیة التی جاء بها ذلك النبی الأمی علیه.

[1] الشيخ عبدالعزيز جاويش: الاسلام دين الفطرة و الحرية ص 15.

[2] المرجع لنفسه، ص 16 و ما بعدها.

[3] سورة العنكبوت، الآيتان 50 و 51.

[4] سورة الانعام، الآية 50.

[5] سورة الاسراء، الآيات 93 - 90.

[6] سورة الانعام، الآيات 111 - 109.